ولي العهد مولاي الحسن يبلغ 22 سنة.. مناسبة سعيدة لكل مكونات الشعب المغربي
هكذا خاضت القوات المسلحة معارك الصحراء عبر “الأحزمة الأمنية”
أمام لجوء عناصر “البوليساريو” إلى حرب العصابات المُنظمة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، خاضت القوات المسلحة الملكية حرب الصحراء عبر الأحزمة الأمنية، التي دارت في مناطقها معاركُ كثيرة، غير أن التنسيق المُحكم بين القوات البرية والدعم الجوي كبّد الجبهة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وقد وقعت اشتباكات متعددة بين الجيش المغربي والعناصر الانفصالية، أثبتت فعالية خط الدفاع الأمني، الذي يدفع عناصر “البوليساريو” إلى شن هجوماتها –التي كانت تتم في أوقات مبكرة- بعيدا عن قواعدها الخلفية، بحيث تسحب معها خطوط الإمداد والتموين، ما يُكلفها نفقات باهظة، ويُعرّض هذه الخطوط لقصف الطيران.
بذلك، لم تستطع تلك العناصر مراقبة الوحدات المغربية مثلما كانت تفعل من قبل، وهو ما كان يؤثر على دقة هجوماتها، تبعاً لمضامين كتاب “الجيش المغربي عبر التاريخ”، الذي أّلفه عبد الحق المريني، راصداً تمفصلات تشييد القوات المسلحة الملكية للجدار الأمني بالصحراء المغربية.
إرهاصات حزام الأمن
في ثاني مارس 1981، على الساعة الواحدة زوالا، تم ربط الاتصال بين وحدات القوات المسلحة الملكية المكلفة بمهمة تمديد خط دفاعي (حزام الأمن) وتحصين مراكز الدعم، والوحدات المرابطة بإقليم السمارة؛ إذ يتكون خط الدفاع الذي بنته القوات المغربية من عوائق ترابية عالية (في أمتار)، محمية بحقول الألغام والرادار والأسلاك الشائكة وآلات إنذارية إلكترونية، ومستودعات (تحت الأرض) مملوءة بالمعدات العسكرية والمؤن.
ويمتد الخط الدفاعي، وفقا للكاتب، من الشمال إلى الجنوب، أي من سلسلة “ورقزيز” إلى بوجدور، وبصفة أدق يمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى جهة الشرق نحو موريتانيا، ثم ينحرف شمالا باتجاه يكاد يكون موازيا للحدود الجزائرية. وتحرس هذا الستار الترابي الكبير وحدات متمركزة ومتنقلة عبر مساحة تقدر بـ 60 ألف كيلومتر مربع.
ويبلغ عدد جنود تلك الوحدات 140 ألف جندي معززين بمراكز دفاعية، إذ أُعد هذا الحزام الأمني لإحباط المناورات العدوانية والهجومات التي تقوم بها عناصر البوليساريو، المكونة من مرتزقة مأجورين وعناصر نيجرية ومالِية وموريتانية وجزائرية تنتمي إلى الساحل، بعدما تلقت تدريبها بتندوف، وسُلّحت من طرف ليبيا إلى غاية تاريخ ما.
واستناداً إلى الكتاب فقد انتهى العمل لإنجاز خط الدفاع الذي يشمل منطقتي بوكراع وبوجدور يوم 12 يونيو 1982، وأصبحت بذلك حركة التنقل تسير سيرا طبيعيا في الطريق الرابط بين طانطان وبوجدور. وفي بداية سنة 1984، بلغ الطول الإجمالي للخط الدفاعي حوالي 650 كيلومترا.
خط دفاعي وهجومي
بهذا يكون الخط الدفاعي أحاط تقريبا بمنطقة الساقية الحمراء كلها، ولم يبق خارج الحزام إلا كتلة زمور والخط الذي توجد به مناطق الجوزة وبئر لحلو وتيفاريتي؛ وتوجد به وحدات للتدخل السريع، بإمكانها الخروج لضرب عناصر الجبهة في أي من هذه الأماكن كلما علمت بتحركاتها.
ويستحيل اختراق الحزام الأمني لتوفره على عدة أنواع من الدفاع؛ فهو ليس كمثل تلك الخطوط الدفاعية المشهورة في تاريخ الحروب، مثل “ماجينو” بفرنسا، أو خط “بارليف” بصحراء سيناء، فهذه الخطوط كانت دفاعية فقط، أما الحزام الأمني المغربي فهو يتميز بكونه دفاعيا وهجوميا في الوقت نفسه، إذ يتوفر على وحدات سريعة مهمتها التدخل خارج الحائط الأمني، بحيث لا تستطيع عناصر “البوليساريو” التجمع على مهلها خارج الحائط للقيام بهجومها؛ ما يعني أنه لم يعد باستطاعتها استعمال حرب العصابات.
وفي هذا الصدد، قال المريني: “في 10 ماي 1984، أبلغ الكولونيل ماجور عبد العزيز بناني، قائد منطقة الجنوب بالنيابة، الحسن الثاني بأن قوات التدخل أنجزت المهمة المنوطة بها، إذ تم بناء الجدار الأمني المنطلق من الزاك عبر الجديرية وحوزة إلى جنوب سمارة”.
حسْم المعارك الميدانية
يُمكن القول إن بناء الحزام الأمني مرّ بمراحل؛ أولاها تشييد حزام أمني يضم مناطق بوكراع والعيون والسمارة وبوجدور، وثانيها شهدت توسيع الحزام ليصل إلى الحدود المغربية الموريتانية، وثالثها عرفت امتداد الحزام من الزاك عبر الجديرية والحوزة والساقية الحمراء إلى جنوب السمارة.
وشُيّد خط دفاعي آخر في الأقاليم الصحراوية، خلال صيف يونيو-غشت 1985، لسد طرق التسلل الجنوبية أمام الجبة نحو وادي الذهب التي تحاذي حدوده الشرقية شمال موريتانيا، ما أفضى إلى تحكّم القوات المسلحة الملكية في مساحة جديدة تقدر بـ 90 ألف كيلومتر مربع، حسَب المصدر عينه.
وانتهت أشغال بناء الشطر السادس من الجدار الأمني، التي كانت قد بدأت في 15 ماي 1985 في منطقة بأم دريكة، إذ أصبح يمتد على طول 120 كيلومترا عبر الحدود المغربية الموريتانية، ثم اتجه نحو الجنوب الغربي، مروراً بمرتفعات أم دريكة نحو “نيغير”، ليصل إلى المحيط الأطلسي على مسافة 100 كيلومتر جنوب الداخلة.
المسيرة الطويلة لمُهندسي الجيش
الجدار الأول: ابتدأ في غشت 1980، لأنه كان لزاماً احتواء محاور التموين الآتية من طانطان في “المنطقة المؤمنة”. ينطلق الجدار رقم 1 من المسيد شمالا في الطرف الغربي لجبال الواركزيز، ويشمل السمارة وبوكراع والعيون؛ إذ يستند هذا الجدار إلى الحزام الناقل للمعدن، الذي يعد في حد ذاته سدًّا يربط بين بوكراع وميناء العيون. كما يمتد هذا الجدار الذي تم إنجازه في ماي 1981 على طول 300 كيلومتر.
الجدار الثاني: اعتبر خطًّا كاستمرار للجدار الأول، إذ تم إنجازه في 45 يوما، خلال ماي-يونيو 1982.. يمتد إلى بوجدور على مسافة 200 كيلومتر، وَمكّن من إعادة فتح الطريق المعبدة العيون-بوجدور.
الجدار الثالث: سَدّ الطريق على البوليساريو، وأرغمها على المرور عبر موريتانيا، ومن “جيب امكالة” الذي يسلكه الجدار الثالث البالغ طوله 300 كيلومتر. وامتدت الأشغال من 19 دجنبر 1983 إلى 20 فبراير 1984. ويمتد الجدار من بوكراع، ويلف امكالة، ليلتحق بخريبشات على الجدار الأول.
الجدار الرابع: يتجه إلى الشرق بعمق أكبر؛ ينطلق من الزاك في اتجاه الجنوب الغربي، وينزل نحو اجديرية، حيث يضم أخيرا الحاوزة، ويلتقي بالجدار الثالث عند خنق السخوم بالساقية الحمراء. انطلقت الأشغال يوم 19 أبريل 1984، وانتهت يوم 10 ماي، ليصل بذلك الجدار إلى 320 كيلومترا.
الجدار الخامس: يروم إقفال الحدود مع الجزائر، وذلك بمحاذاة “نومانس لاند” بعمق 5 إلى 8 كيلومترات؛ يتجه نحو الجنوب انطلاقا من نقطة تقع على مسافة 50 كيلومترا شرقي “تيزكي الرمز”.. يضمن أمن المحبس وعظم الريح. عند خط العرض 27 يتجه الجدار نحو الجنوب الغربي إلى جيب امكالة أربعين كيلومترا، جنوب حاوزة 380 كيلومترا. وبدأت الأشغال في شتنبر 1984، وانتهت يوم 15 يناير 1985.
الجدار السادس: 670 كيلومترا نحو الجنوب الغربي من امكالة إلى المحيط الأطلسي، جنوبي الداخلة بـ “إمليلي” و”القطوعه”. وهكذا، يتم إيصال كلتة زمور وأم دريكات وبئر أنزران بالبحر.
شُرع في الجدار السادس يوم 14 ماي 1985، وانتهى العمل به في أوائل شتنبر.