من يدفع للزمار يختار اللحن

تابعت قبل يومين كلاما لزكريا المومني، ووجدت الجواب في قول إنجليزي مأثور يقول “من يدفع للزمار، يختار اللحن”. الذي صار في الوقت الراهن من يدفع للزمار يختار اللحن والإيقاع وكذلك الرقاص.

وعن أمثاله، كتبت فرنسيس سارندون كتابا موسوما بـ “من يدفع للزمار” نكاية في جوقة “الحياحة” من أشباه صحافيين ومثقفين وفنانين ومؤثرين، التي تؤثث مشهد حملات دعائية لمرتزقة جدد ضد دول معينة خدمة لمصالح أخرى.

تذكرت المآل المأساوي للبعض ومن ضمنهم زكريا المومني، الذي طاف بكل الحرف والمهن واستقر به الأمر مستجديا عطف إبليس، ملتمسا الممكن والمحال لاستهداف المغرب بمناسبة وبدونها، فكلما واصل مساره البئيس تدحرج نحو السفح أكثر وزادت سرعة سقوطه وتهاويه.

لا أوجه كلامي للمومني لأنني غير معني باختياراته، ولكنني أخاطب الجمهور الذي يفسد عليه الوعي السليم بالأشياء، فكلام المومني محكوم بأهداف من يقف وراءه، فببساطة من يدفع له ولأمثاله ليس فاعل خير ولا بائع صكوك غفران، بل فقط يسخره كبيدق لخوض معارك بالنيابة في صراع خاطئ ضد الخصم الخطأ.

أعاب المومني على المغرب رفع دعوى أمام القضاء الفرنسي، وبذلك تبين أن ما لا يدركه عقله الصغير، ولن يقوى على ذلك وإن أراد، هو أن سلك الدولة السبل القضائية، يعكس أولا  قبل كل شيء، إيمان هذه الدولة بشرعية المؤسسات وباحترام قواعد الشرعية القانونية، في الوقت الذي تنهج فيه دول أخرى معروفة أساليب مغايرة لملاحقة من يمس بسوء بمصالحها، ولا تمتثل في ذلك لا أمام القضاء ولا أمام أي هيئة أخرى فوقها أو دونها، كما لا تكلف نفسها حتى إصدار بلاغ إدانة، بل تقتص لنفسها بألف وسيلة، فليس بالرصاص فقط تموت الناس في صحراء المسيسيبي كما يقال.

كذلك لا أتمناك ساذجا غرا قليل الزاد في إدراك بسائط الأمور، وتعتقد أن رفع المغرب دعواه هاته كان ينتظر إنصافا، بل فقط لقطع الطريق على رويبضات ومسترزقين وممثلين من الصف الأخير أمثالك في العبور من المساس بالمؤسسات إلى المساس بالأشخاص وبرموزها، والتي حرماتهم محصنة حصانة مطلقة.

فقضية بيغاسوس وما يرتبط بها من تقارير لمنظمات غير حكومية أكدت للجميع، سواك، أنها ليست سوى حلقات لمسلسل مدروس غايته ممارسة الضغط على المغرب لمراجعة خياراته التي صارت محصنة من العودة إلى الوراء. والمغرب مؤمن أن ما تم بدافع سياسي لن يعالج إلا بمداخل من نفس النوع والطبيعة.

ففرحك الطفولي وكأنك اكتشفت العجلة جعل منك موضوع سخرية ومضربا لكل من يلتمس الحقيقة في السطح دون الغوص في الأعماق، والاقتصار على المعلن دون التوقف عند المقاصد. لأن الدولة في البدء ولاتزال، كما قال هيجل “كائن عقلاني”، بمعنى أنها تميز جيدا بين الربح والخسارة، وبذلك لن تنتظر بصيرة من مخفق في خياراته وفاشل في مساره الاجتماعي.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة