انعكاس قلة التساقطات المطرية على الفلاحين الصغار
تخيم على الفلاحة المعيشية ظروف جد صعبة هذه الأيام، حيث شبح الجفاف طل برأسه مبكرا في بداية هذا الموسم الزراعي الحالي، وعلى أثر قلة التساقطات التي سجلت خلال الفترات الماضية، تعيش المزروعات البورية في ظروف غير مستقرة، نظرا لعامل الطقس المهيمن في الوقت الراهن. فبالإضافة إلى قلة تساقطات، تفاقم الرياح القادمة من الشرق من وضعية المزروعات الموسمية التي ينشط فيها الفلاحين الصغار كزراعة الحبوب(القمح والشعير أساسا) والقطاني(الفول والحمص والفاصوليا) ونحوها من مزروعات موسمية اخرى.
ففي الظرف الحالي، كلما زاد غياب التساقطات المطرية خلال الأيام المقبلة، وازدياد حدة التيار الهوائي “الشرقي”، كلما كان مردود فلاحة المعيشية في خبر كان. وإذا كانت بعض المزروعات على مستوى الاراضي الفلاحية البورية قد قضت نحباها نظرا لغياب التساقطات، فهناك مزروعات اخرى تعيش أحلك ايامها، فهي في مرحلة الموت البطيء. وقد تنتعش بعض الحقول المزروعة في البور من جديد في حالة ما إن أصابها الغيث؛ ولو انتعشت هذه المزروعات، فمقدر، أن يتراجع مردود الإنتاج الزراعي الذي يعمل فيه الفلاحون الصغار إلى نصف على أقل تقدير. وأما لا قدر الله أن استمر انقطاع المطر أكثر من شهر فسيكون الفلاحون الصغار في أزمة كساد حقيقية، وعليه سيكون شبح الجفاف واقع حقيقي، يملي شروطه على الأسر التي تجعل من الفلاحة المعيشية عملا لها. وبالتالي الدخول في نفق جديد من دوامة الهشاشة والفقر، علما أن الشرائح الاجتماعية التي تجعل من القطاع الأول مصدرا لها “للعيش” هي في وضع لا يحسد عليه، وتفاقم هذا الوضع منذ ظهور فيروس كورونا.
من المعلوم أن الساكنة القروية التي تجعل من زراعة الحبوب وتربية الماشية مصدر رزقها الأول، وخاصة الفلاحون الذين يتسم قطاعهم الزراعي بالمعيشي، سيكونون أكثر تضررا من غيرهم في هذا الظرف الفلاحي، لعدة اعتبارات، من بينها، كونهم يراهنون على القطاع الفلاحي بكل رأس مالهم وجهدهم العملي، وعجلتهم الاقتصادية مرتبطة بهذا القطاع فأي هزة أو ضربة تتعرض لها مزارعهم تنعكس مباشرة عليهم وعلى مستوى معيشتهم التي هي في الأصل وضعية معيشية هشة.
على مستوى الفلاحة المعيشية، يرتبط قطاع الزراعة مع قطاع تربية الماشية ارتباطا قويا، فكلما كان الموسم الفلاحي تنتظم فيه التساقطات، كلما كان ثمن رؤوس الماشية في مستوى المرغوب فيه لذوي الفلاحة المعيشية، حيث يزدهر اقتصاد الماشية نظرا لواقع “الربيع”، واستقرار أثمان الاعلاف ،والتبن(البال)…أما حينما يعرف الموسم الفلاحي ما عليه اليوم، فبعد تلاشي المزروعات نظرا للجفاف، يتبعه في نفس الوقت تراجع أثمنة الماشية بشكل حاد، مع ارتفاع أثمان الكلأ، والاعلاف، وعليه يصبح ثمن كسب الماشية مكلفا ولا مردودية اقتصادية تنتظر منه.
آهات الفلاحون يسمع أنينها في كل المجالات، في المسجد، في المقهى، في السوق، في سيارة النقل…لا حديث يعلو عن شبح الجفاف الذي يوما بعد يوم تنقشع عنه غيوم لقدر الله. وما سنوات الجفاف ببعيد عن الذاكرة الجماعية خصوصا تلك التي عايشت سنوات تسعينات(1991، 1993، 1994، 1995).
إن واقع الفلاحة المعيشية، هو أصلا واقع يدور في دائرة مغلقة منذ سنوات طوال، نظرا لإشكالاته البنيوية، وعليه فمشكل الفئات التي تمارس الفلاحة المعيشية أكبر من موسم يتسم بالجفاف أو يتسم ب”الصابة”، فمحل هذا النمط من العمل والانتاج يجعل الاسر تعيد انتاج نفس الاوضاع السابقة “تمارا الكحلة”.
المشكل الاعمق في نمط الفلاحة المعيشية، أنها ليست فقط قضية وسائل، واختيارات، وتوجيه زراعي، بل هي مرتبطة بجانب سوسيولوجي بحث، فالفلاحون الصغار، ما يزال يربطهم بالقطاع الفلاحي علاقة عاطفية أكثر من علاقة اقتصادية، إذ الأرض في بعض التمثلات ليست أداة من أدوات الإنتاج بل هي جزء لا يتجزأ من كيان وجودي للفرد في مجتمعه، تحكمه تمثلات وعادات اجتماعية، والثقافة الاجتماعية هي من تملي على الفرد ما يعمل ولا يعمل.
إن واقع الفلاحة المعيشية، واقع يحتاج إلى تدخل باستمرار، وعلى ذلك التدخل أن يقدم رؤية مستجدة تراعي جميع الابعاد التي تحكم المجتمع النشيط في الفلاحة المعيشية.
قصارى القول، واقع الجفاف يكون أكثر وطأة على الفلاحين الصغار الذين ينشطون في قطاع الفلاحة المعيشية التي تعتمد على التساقطات المطرية.
إسماعيل الراجي
طالب باحث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية