ولي العهد مولاي الحسن يبلغ 22 سنة.. مناسبة سعيدة لكل مكونات الشعب المغربي
كواليس القرار الإسباني.. أنبوب الغاز « ورقة الجوكر » التي رجحت كفة المغرب
عندما كانت الطغمة العسكرية داخل قصر المرادية تخطط لتهريب « بن بطوش » إلى إسبانيا سرا للعلاج، لم تضع في الحسبان فرضية أن تكون بذلك قد دقت آخر مسمار في نعش البوليساريو.
وعندما قررت إسبانيا الإنخراط إلى جانب النظام الجزائري في مخطط الإستقبال السري لمجرم الحرب « غالي »، غاب عنها هي الأخرى أن تكون أعين الأجهزة الأمنية المغربية تراقب في صمت أدق تفاصيل العملية التي صنفتها صحف الداخل الإسباني بـ « فضيحة القرن » ، فسقطت مدريد والجزائر في وحل مغامرة غير محسوبة العواقب، كان المغرب قد إستعد لها أيما إستعداد، على جميع المستويات، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وإستخباراتيا، مما اضطر إسبانيا والجزائر هذه المرة إلى اللعب في ميدان المملكة الذي تم إعداده بشكل محكم حتى تحول إلى سلسلة من المتاهات الملتوية التي يتداخل فيها الشق الإنساني بالهاجس الأمني وتتقاطع بداخل دروبها شباك الاقتصاد والدبلوماسية بخيوط الإستخبارات والتسلح.
فكانت النتيجة أن تسببت الجزائر المنهارة في إقحام إسبانيا داخل زاوية مغلقة، كلفها الخروج منها فقدان جزء كبير من مصداقية الدولة والإنصياع التام لمواقف المغرب في عدد من الملفات ذات الحساسية الكبرى للساسة الإسبان وعلى رأسها قضية البوليساريو.
وبين كل هذا الزخم الكبير الذي شهدته فترة التخبط الإسباني، منذ ليلة « فضيحة بن بطوش » إلى حين رفع بيدرو سانشيز الراية البيضاء أمام أعتاب المغرب، يوجد خيط رفيع يربط الأحداث جميعها ويجعلها مرتبطة ببعضها البعض وفق معادلة « العقد المنفرط » الذي حيث ما انقطع فلا مفر من إنفلات جميع حباته.
هذا الخيط الرفيع هو ورقة الغاز « اللعينة »، والتي لطالما إستعملتها الجزائر بطرق ملتوية لفتح الأبواب الموصدة وتصريف عدائها المعلن للمغرب، وهي نفس الورقة التي تحبس الآن أنفاس أوروبا بأكملها. بل وجعلت الإتحاد الأوروبي يقدم إسبانيا قربانا إلى المغرب.
فقبل استقبال إسبانيا لزعيم المرتزقة إبراهيم غالي سرا، سبق ذلك توقيع إتفاق للغاز بين الجزائر ومدريد تحصل بموجبه هذه الأخيرة على إمدادات الغاز الجزائري بسعر يقل عن السعر الدولي بقرابة 50 بالمائة، وكان ذلك ثمنا لإستشفاء زعيم البوليساريو داخل مصحاتها، أما الجزائر من جهتها فقد كان بإمكانها إيفاد « بن بطوش » إلى أحد حلفائها للعلاج وسيكون الأمر أقل كلفة من علاجه بإسبانيا، لكن تخوف النظام الجزائري من تخلي مدريد عن دعم مرتزقة البوليساريو وإستسلامها بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضه المغرب على الثغور المحتلة وموانئ جنوب إسبانيا، كل ذلك جعل « الكابرانات » يفكرون في توريط مدريد أكثر بدعم المرتزقة الإنفصاليين مهما كلف الأمر، ولو بيعها الغاز بنصف سعره في السوق الدولية.
إستعملت الجزائر ورقة الغاز وسقطت إسبانيا بسبب نفس الورقة، وكسب المغرب معركته مستعملا ذات الورقة أيضا. ولمن لا يملك ذاكرة قوية، سنذكره بان قيام الإعلام الرسمي المغربي بترويج خبر عدم تجديد المملكة لإتفاق أنبوب الغاز المغاربي مع الجزائر، استفز جمهورية « النيف » وسارع الجنرالات إلى قطع الأنبوب قبل أن يقوم المغرب بتنفيذ وعده، ونكاد نجزم أنه لم يكن في نيته قطع أنبوب الغاز، لان المغرب مملكة عريقة تحترم اتفاقياتها، لكنها في نفس السياق تعلمت على مر التاريخ كيف تدفع خصومها إلى تنفيذ رغباتها بشكل غير عجيب.
فعلا نجح المغرب بدفع الجزائر إلى قطع أنبوب الغاز، ليعلن مباشرة بعد هذا القرار عن وجود إحتياطات مهمة من الغاز في حقول تندرارة، وأن المملكة ستستعمل الأنبوب الذي تخلت عنه الجزائر لنقل الغاز… تارة نحو إسبانيا وتارة أخرى إلى مولدات الكهرباء غرب المملكة.
وبين هذا وذاك كانت إسبانيا تراقب بحسرة كيف نجح المغرب في انتزاع ورقة الغاز من يد الجزائر وقام بإدخالها في جيبه. لتأتي بعد ذلك الحرب الروسية الأوكرانية وتشعل أزمة كبرى للطاقة، وحربا محمومة على إمدادات الغاز، وهنا تعلن الشركة البريطانية « ساوند إينيرجي » عن وجود إحتياطات مهمة من الغاز بحقول تندرارة والعرائش وأن المغرب سيصبح دولة مصدرة للغاز في أفق سنة 2024.
وبذلك تحول المغرب فجأة إلى فارس أحلام إسبانيا ومنقذها من أزمتها الطاقية، لتبدأ مرحلة التودد إلى المملكة، وهنا نقول لمن أبدى صدمته من قرار اسبانيا دعم مقترح الحكم الذاتي ، إليك الصدمة الكبرى، فزيادة على دعم مدريد للوحدة الترابية للمغرب، فإنها ستزود المغرب بالغاز أيضا وذلك وفق اتفاق لتشغيل أنبوب الغاز بالتدفق العكسي، لأن المملكة اشترطت على الإسبان أن يضمنوا إمدادها بالغاز الذي إتفقت الولايات المتحدة الأمريكية مع قطر على شحنه إلى إسبانبا، وأن تستمر مدريد في إمداد الرباط بحاجياتها من الغاز إلى حين بدء المغرب في تصدير غازه في أفق سنة 2024.
كل هذا يؤكد بكل وضوح أن ورقة الغاز لعبت دورا مهما في تحويل التوجه الإسباني 180 درجة في علاقاتها بالمغرب، الذي نجح بذكائه وحنكته في تدبير أزمته الدبلوماسية مع إسبانيا، لينتزع منها دعما واضحا وصريحا لمقترح الحكم الذاتي، بل ويضمن تلبية إستهلاكه الداخلي من الغاز في ظرفية عالمية دقيقة حيث العالم يأكل بعضه البعض لضمان أمنه الطاقي.
نجحت المملكة في معركتها الدبلوماسية و توجت نصرها بدعم إسباني كبير لمقترح الحكم الذاتي، وتمكنت من تأمين حاجياتها من الغاز الطبيعي، وضمنت سوقا طاقية واعدة بالمستقبل القريب، إضافة إلى إنتزاعها لورقة الغاز من يد الجزائر.
إسبانيا من جهتها كسبت حليفا كبيرا و موثوقا و ذلك بحسب رسالة رئيس حكومتها « بيدرو سانشيز » ،بينما زادت عزلة النظام الجزائري بفقدانه الدعم الإسباني لاطروحة البوليساريو، لتضاف هذه الهزيمة النكراء إلى سجل « الكابرانات » الحافل بالإنتكاسات أمام أمة المغرب العريق.