التشهير ومحاولات الخارج للاختراق تصطدم بصلابة الجبهة الداخلية
شكل ارتباط المغاربة بالمؤسسة الملكية على مر الأجيال عقيدة وطنية، تعززت بالأدوار التاريخية والحضارية المهمة التي لعبها ملوك الأسرة العلوية منذ قرون من الزمن في تشكيل الوعي والوجدان الجمعي في المغرب، وبشرعية دينية تقليدية ضاربة في جذور التاريخ بالنسبة للمغاربة وحتى لبقية شعوب المنطقة، تكرست مع الرمزية التي تبوأها الملك محمد الخامس في الحراك الوطني المقاوم للاستعمارين الفرنسي والإسباني، حتى باتت فئات واسعة من جيل الاستقلال تتخيل رؤية وجه الملك الراحل في القمر، في تجسيد للتعلق الوجداني بزعيم جسد رمزية مقاومة المستعمر والتأسيس للاستقلال ولهوية الدولة المغربية العصرية.وفي حين كانت الأجيال اللاحقة تنبهر بقوة شخصية الحسن الثاني وتتعلق بحضوره الطاغي، في تكريس لمشروعية كاريزماتية عززتها منجزاته في استكماله للوحدة الترابية وبناء المؤسسات الوطنية، إلى جانب تجاوزه لتحديات جمة، أبرزها التمردات والانقلابات التي استقرت بالخارج، فضلا عن دسائس البلد الجار وحروبه بالوكالة في الصحراء، بالإضافة إلى الإكراهات الاقتصادية الناجمة عن سنوات الجفاف والإصلاحات السياسية والحقوقية الهيكلية التي أقرها والتي توجت بإشراك اليسار في حكومة التناوب ضمن سياق الانفتاح الديمقراطي.
أما الأجيال الراهنة فقد باتت علاقتها بالمؤسسة الملكية تتشكل انطلاقا من منطق عقلاني مؤسساتي، يجسد ارتفاع منسوب الوعي السياسي، بعيدا عن التأثر بالعاطفة أو بالكاريزما قياسا للأجيال السابقة، حيث صار المغاربة اليوم يعون جليا الأدوار السياسية المهمة التي تعكف عليها المؤسسة الملكية سواء تعلق الأمر في حفظ سيادة المغرب ووحدته، عبر النجاحات الباهرة التي حققها المغرب في صد المخططات الإرهابية والتخريبية إلى جانب التصدي لمناورات خصوم وحدته الترابية، أو ضمانها للأمن الروحي للمواطنين من خلال رعايتها للمؤسسات والمرافق الدينية، إلى جانب صيانة الثوابت المجتمعية والثقافية، فضلا عن قيادة المشاريع الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي لا تزال بعض أوراشها مفتوحة.
قناعات كرستها طبيعة الوضع الجيوسياسي البالغ التعقيد الذي عاشه ويعيشه المغرب على مر العصور، بسبب موقعه الاستراتيجي الهام الذي ظل محورا لتنافس القوى الدولية العظمى إلى جانب مقدراته، الطبيعية، الاقتصادية والبشرية المهمة التي ظلت محط أطماع تلك القوى الاستعمارية، فضلا عن إكراهات تنوعه الثقافي الذي كان دائما مدخل لمحاولات الاختراق والتخريب والتفكيك الأجنبية.
فأكثر التيارات السياسية المعبر عنها في المغرب راديكالية أو تطرفا، لا تجرؤ اليوم على تجاوز أدوار المؤسسة الملكية، فحتى أبان موجة ما يسمى ب “الربيع العربي”، حين سقطت أنظمة وتغيرت أخرى في الشمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط، فقد توافقت كل التيارات السياسية المعارضة التي خرجت إلى الشارع في مدن المغرب على مطالب إصلاحية لا تتجاوز سقف الملكية الدستورية، وهو مطلب مجمع عليه من طرف كل الفاعلين السياسيين حتى قبل “الربيع العربي”، وقد تكرس بالفعل في الإصلاحات الدستورية التي عكف عليها العاهل محمد السادس في دستور 2011، في خطوة استباقية أجهضت مناورات خصوم المغرب الذين حاولوا الركوب على الحراك الشعبي العفوي، وإلباسه لبوس سياسويا، قبل أن يواجهوا بارتباط المغاربة بملكهم وتشبثهم بالمؤسسة الملكية.
اليوم يبدو أن خصوم المغرب قد يئسوا من محاولات ضرب استقرار المغرب من خلال تأليب الشارع المغربي ضد المؤسسة الملكية عبر الطروحات والمزايدات السياسوية الراديكالية التي ترفعها بعض الأصوات المعزولة في الخارج من حين لآخر، ليلجئوا إلى محاولات تشهير ركيكة بشخص الملك في محاولة لضرب صورة القصر لدى عموم المغاربة، خاصة ما يتعلق بتلك الأدوار المرتبطة بضمان الأمن الروحي وبالإشراف على المؤسسات الدينية. لكن يبدو أن محاولاتهم تلك ستلقى نفس مصير سابقاتها، حيث اصطدمت هي الأخرى بقوة ومتانة العلاقة التاريخية الراسخة بين عموم المغاربة وملوكهم على مر العصور، فاستحالت إلى حملة إدانة شعبية واسعة ضد التهجم على الملك باعتباره رمزا للسيادة والوحدة والوطن.