بريتوريا تصاب بالسعار.. أمريكا توجه دعوة للمغرب لحضور قمة مجموعة السبع “G7”
تفاجأ العديد من المتتبعين بالتصعيد الذي قام به نظام جنوب إفريقيا ضد المغرب في الآونة الأخيرة، والذي بلغ ذروته باستقبال زعيم الانفصاليين المجرم ابراهيم غالي، أمس الثلاثاء ببريتوريا، حيث أكد رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، دعمه الكامل والمطلق للكيان الانفصالي، مقابل عدائه الواضح لمصالح المملكة بسبب النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وإذا كان نظام جنوب إفريقيا معروفا بدعمه للكيان الانفصالي واعترافه بجمهوريته الوهمية منذ سنين، إلا أن هذا التصعيد يجد أسبابه في التغيرات الجيوسياسية القارية والدولية، التي جعلت المغرب رقما صعبا يضرب له ألف حساب، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي أو على المستوى الاقتصادي، وهو ما أغضب سيريل رامافوزا وجوقته الذين أحرجتهم المملكة وفاجأتهم بمستوى التقدم الكبير الذي تعرفه على جميع المستويات، حيث باتت تنافس بريتوريا وتتجاوزها في الترتيب القاري والدولي.
رامافوزا وجوقته ظلوا يتاجرون بتاريخ وإرث نيلسون مانديلا، كما يفعل نظام العسكر الجزائري بذاكرة الثورة وشهدائها، واستكانوا للكسل والاتكال معتقدين ان وقت البحبوحة ستدوم بدون جد وجهد ومثابرة، وهو ما أوصل بلادهم كما كوريا الشرقية، إلى الحضيض وجعلها تعيش أزمات متعددة صارت تهدد اقتصاد البلاد ومكانتها الاقتصادية بالانهيار، أما على المستوى السياسي فإن الفساد هو سمة حزب المؤتمر الوطني الافريقي، والمسؤولين في بلاد نيلسون مانديلا، الذي ضحى كثيرا من أجل جنوب- افريقيا مزدهرة وديمقراطية.
ولئن كان للتصعيد الجنوب- افريقي ضد المملكة، علاقة باجندة مجلس الامن الذي يناقش هذه الأيام ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في انتظار جلسة 27 اكتوبر الجاري التي سيصادق خلالها على تمديد عهدة المينورسو لمدة سنة كما يقترح الامين العام للامم المتحدة، إلا أن هناك حدث آخر جعل رامافوزا وجوقته يصابون بالسعار، ويتعلق الأمر بدعوة المغرب لحضور اجتماع الدول السبع الكبرى G7، وتجاهل جنوب افريقيا التي وجدت نفسها امام منافس قوي وذي مصداقية جهويا وقاريا ودوليا…
ويرى العديد من الخبراء، أن استقبال زعيم مليشيات البوليساريو، الإرهابي ابراهيم غالي، من قبل رامافوزا، وما رافقه من بهرجة ودعاية إعلامية تكلفت أبواق الدعاية العسكرية الجزائرية بنشرها، جاء مباشرة بعد الإعلان عن دعوة الولايات المتحدة الأمريكية المغرب للمشاركة في اجتماع الدول السبع G7، وهي دعوة تنسجم مع الموقع الذي أصبح يحتله على المستوى الاقتصادي في القارة الإفريقية.
هذه الدعوة، استثنت بشكل ملحوظ جنوب إفريقيا؛ التي وجدت مصلحة إستراتيجية كبيرة في إضعاف المغرب والحد من تقدمه، حيث تقاطعت مصالحها مع أهداف الطغمة العسكرية الجزائرية وبقايا من “الفرنسيس” الذين يحنون لحقبة الاستعمار.
إن اعتماد المغرب لإستراتيجية جديدة ناجحة جعل بلدانا إفريقية تضع مواقفها تجاه ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية جانبا، وتعطي الأولوية للعلاقات الاقتصادية، ضمن علاقات رابح-رابح، وهو ما سارت عليه إثيوبيا، ونيجيريا، وأنغولا، ورواندا، وغيرها من الدول التي كانت تحسب في معسكر جنوب إفريقيا والجزائر المناوئ لوحدة المغرب الترابية…
وحسب الخبراء، فإن هذا التوجه وهذا الانتصار المغربي، أزعج كثيرا بريتوريا التي كانت تعتبر نفسها القوة الاقتصادية والتجارية والسياسية الأولى في إفريقيا بلا منازع، في وقت استطاع المغرب عقد مئات الاتفاقيات مع دول إفريقية، من أبرزها اتفاقيةٌ أنبوب الغاز الذي يربط المملكة بنيجيريا، التي كانت تشكل إلى عهد قريب إلى جانب جنوب إفريقيا والجزائر تحالفا ثلاثيا ضد المصالح المغربية، بالإضافة إلى عقد اتفاقية شراكة ضخمة مع إثيوبيا في مجال مشتقات الفوسفاط، فضلا عن عشرات الاتفاقيات والمشاريع في مجالات الطاقة والاتصالات والمصارف مع دول الساحل الغربي لإفريقيا وغيرها…
إن توجيه الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة للمغرب لحضور اجتماع مجموعة السبع، يضيف الخبراء، جعل بريتوريا تستدعي زعيم مليشيات البوليساريو على عجل، وتستقبله بشكل مبالغ فيه؛ وهي تعلم أن تمسكها بالدعوة إلى تنظيم استفتاء بالصحراء المغربية نكاية في المغرب قد أقبرته بشكل نهائي قرارات مجلس الأمن. منذ سنين، وأن المنتظم الدولي أصبح يوما بعد يوم يؤمن بان لا حل للنزاع المفتعل إلا ضمن ما يقترحه المغرب من خلال الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية…
إن تمدد المغرب اقتصاديا في القارة الإفريقية، أصبح يهدد رغبة جنوب إفريقيا في التحول من قوة إقليمية إلى قوة قارية، تقود دول إفريقيا كلها، كما أن توطيد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل علاقاتهما وشراكتهما المتنوعة مع المملكة جعل طموح بريتوريا إلى عضوية دائمة في مجلس الأمن باسم القارة ودول الجنوب، في الإصلاح المرتقب لمجلس الأمن الدولي، يتضاءل أمام طموحات دول أخرى داخل القارة، كالمغرب الذي أصبح رائدا وقوة موثوق …
استقبال زعيم الانفصاليين في بريتوريا لن يمنع المغرب من أن يتمدد في القارة السمراء، ولن تستطيع جنوب إفريقيا ولا النظام العسكري الجزائري تطويقه ولا الوقوف في طريقه نحو التقدم والازدهار وجعل البلدان الافريقية تستفيد كذلك، وذلك وفق منطق رابح-رابح …