”فاجعة مير اللفت” تنذر بخلق بؤرة للهجرة غير النظامية في جهة كلميم
تجددت مآسي الهجرة السرية بالسواحل الجنوبية؛ هذه المرة من منطقة مير اللفت التي عاشت يوما حزينا، الجمعة، بعد انتشال جثث شباب ينحدرون من دواوير هذه الجماعة القروية كانوا في الطريق نحو جزر الكناري انطلاقا من شاطئ “إيمي ن تركا”.
ووفقا لإحصائيات لجنة الهجرة والحدود الإسبانية لسنة 2022، فقدت بلغت نسبة “الحرّاكة” المتدفقين من التراب المغربي 85 في المائة من مجموع من وصلوا إلى تراب الجارة الشمالية، وهو رقم تضاعف كثيرا بعدما اختارت أعداد ضخمة المرور عبر المناطق الجنوبية نهاية يوليوز الماضي، بحسب المصدر ذاته.
وارتفعت حصيلة ضحايا حادث انقلاب قارب للهجرة غير النظامية بسواحل مير اللفت إلى 13 شخصا، من بينهم امرأة ورجل مسن، فيما بلغ عدد المرشحين الذين تم إنقاذهم 24 شخصا، كلهم في العشرينات من العمر، إضافة إلى قاصر يبلغ 16 سنة وعشرة أشهر، فيما فر خمسة آخرون، من بينهم شخص يشتبه في كونه من منظمي العملية.
وفسّرت فعاليات متتبعة لموضوع الهجرة ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين في الصحراء بتشديد المراقبة على سواحل المدن الشمالية بعد أحداث معبر سبتة الذي شهد عبور أزيد من 8 آلاف شخص نحو الثغر المحتل، ما دفع شبكات الاتجار بالبشر إلى الاتجاه نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة.
عبد الله بوشطارت، فاعل مدني في جهة كلميم وادنون، قال إن “الفواجع تتكرر في كل وقت وحين بإقليم سيدي إفني وجهة كلميم وادنون، والأسباب والعوامل كثيرة، في مقدمتها ما هو اقتصادي واجتماعي، ثم ما هو تاريخي وثقافي وجغرافي”.
وأضاف بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أن “إقليم سيدي إفني مرتبط بإسبانيا تاريخيا وثقافيا عن طريق جزر كناريا القريبة جدا من المنطقة، وهذا ما يفسر كون أكبر جالية مغربية في الأرخبيل الكناري قادمة من جهة گلميم وادنون، وكلها جالية نشطة تتكون من الشباب أساسا”.
وأكد المتحدث أن “قوارب الموت في منطقة إفني وكلميم هي تاريخية، وليست طارئة، سببها المباشر هو تردي أوضاع الشباب وانعدام الأفق وفرص الشغل للشباب وأزمة التعليم وغياب البنيات الثقافية والرياضية وتفشي ظاهرة الريع السياسي”.
ونبه بوشطارت إلى أن جهة كلميم وادنون هي الأولى وطنيا من حيث نسبة البطالة بـ22٪ سنة 2020، وذلك وفق إحصائيات رسمية من مندوبية الإحصاء.
وتابع بأن “هذه المناطق أكثر الأقاليم طردا للسكان بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية”، مشددا على أن “الأمر معقد جدا ويحتاج إلى إعادة التفكير بشكل بنيوي في مستقبل الأجيال القادمة في مثل هذه الهوامش”.
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، سجل أن “معضلة التنمية لا تقتصر على بعض المناطق دون أخرى، بل تتعلق بالشرائح الاجتماعية وبنسبة كبيرة من الأجيال الصاعدة في كل المدن والقرى، حيث إن الشباب عاطلون عن العمل أو يعيشون ظروفا اجتماعية قاسية”.
وقال الخضري، في تصريح لهسبريس، إن “التواقين للهجرة خارج الوطن متواجدون في القرى النائية وفي المدن الكبرى على حد سواء، فالأزمة شاملة، ولعل خارطة انتماء المرشحين للهجرة السرية خير دليل على هذا الواقع المر”، مشددا على أن “الهجرة السرية أسقطت ورقة التوت عن برامج واستراتيجيات التنمية المعتمدة منذ سنوات”.
لكن السؤال الملح في نظر الخضري، يتمثل في “أين الخلل؟”، وهو سؤال “يتبادر إلى الذهن كلما نشرت وسائل الإعلام مآسي زهق أرواح شباب في عرض البحر، أو إقدام البعض على الانتحار أو التعاطي للإدمان والانغماس في حياة التشرد أو ارتكاب الجرائم المرعبة، فهذه كلها ظواهر عطب بنيوية تفاقمت وأصبحت تطوق المجتمع المغربي”.
ونبه المصرح لهسبريس إلى غياب آذان صاغية لأنين المجتمع، مشيرا إلى أن “النفاق المجتمعي والأنانية المفرطة أحجبا البصيرة عن الواقع المر، وباتت هذه المآسي مجرد منشورات للاستهلاك الإعلامي لا غير”.