اغتيال العاروري .. إسرائيل تصفي أذرع إيران بالمنطقة
يبدو قرار إسرائيل تصفية نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت دون غيره من قادة حماس الموجودين في الخارج مرتبطا بعلاقته المباشرة مع إيران، في وقت تتجه فيه إستراتيجية جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) لتصفية المسؤولين المعنيين بالعلاقة مع إيران سواء من حماس أو حزب الله أو غيرهما من أذرع إيران.
وتأتي تصفية العاروري تتمة لاستهداف القائد في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي بسوريا في 25 ديسمبر الماضي، لتكون ضربة ثانية قوية موجهة إلى إيران وأذرعها التي تخطط لاستهداف إسرائيل سواء من سوريا أو لبنان أو التي تسعى لتهريب الصواريخ إلى غزة لإسناد حماس في الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر مع إسرائيل.
وتوجه إسرائيل من وراء تصفية العاروري رسالة واضحة إلى أذرع إيران الأخرى يفيد مضمونها بأن يدها قادرة على أن تصل إلى أي مكان يوجد فيه من يتحرك لضرب إسرائيل ومصالحها. والرسالة بدت أكثر وضوحا لحزب الله بعد اغتيال شخصية فلسطينية بارزة كانت تحت حمايته.
وفي أول تعليق له على اغتيال العاروري، اكتفى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بتوصيف ما جرى بأنه “جريمة كبيرة وخطيرة ولا يمكن السكوت عنها”، و”أمر خطير جدا”، دون التلويح بالانتقام، في تكرار لموقفه السابق بشأن دعم حماس في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة بعد مرور أيام على هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
وعزا نصرالله اكتفاءه بالإدانة إلى مراعاة “المصالح اللبنانية”، ملوحا بأنه “إذا شنت إسرائيل الحرب على لبنان فإن مقتضى المصالح اللبنانية سيعني أن نذهب إلى الأخير”، ما يعني أن الحزب لا يفكر حاليا في القيام برد، وهو أمر متوقع لارتباطه بحسابات إيران.
ولم يكن استهداف العاروري بدرجة أولى لكونه قياديا في حماس، ولو كان الأمر كذلك لخططت إسرائيل للوصول إلى من هو أهم منه منزلة سياسية في الحركة، وإنما استُهدف لكونه يتحرك ضمن دائرة المعنيين بالعلاقة مع إيران والمسؤولين عن القرارات المتعلقة بالسلاح. ويمثل استهدافه امتدادا لتصفيات سابقة طالت قيادات في حزب الله مثل عماد مغنية، والاستهداف الأميركي في العراق الذي أدى إلى تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.
ولا تهتم إسرائيل بمن يطلق التصريحات ضدها في الخارج من حماس أو من غيرها، وإنما تتحرك مستهدفةً مَن يخطط بشكل مشترك مع الإيرانيين لاستهداف أمنها في عمليات تنطلق من سوريا أو لبنان أو غزة. كما أنها تعمل على منع تهريب الصواريخ التي يمكن أن توجه ضدها في عمليات مسبقة مثلما حصل منذ أيام في منطقة البوكمال الحدودية بين سوريا والعراق أو في محيط العاصمة السورية دمشق.
ويعتبر العاروري من عناصر حماس المقربين من إيران. وسبق له أن زارها في يوليو 2019 وحظي باستقبال خاص من المرشد الأعلى علي خامنئي. وقال آنذاك إن “علاقتنا مع إيران جزء من تحالفنا الوثيق مع الشعوب والحكومات والأحزاب التي ترفض المشروع الصهيوني، وتناصر الحق الفلسطيني”.
وقال العاروري إن “إيران أبدت الجاهزية العملية لتقديم كل أشكال الدعم، رغم حالة الحصار (على غزة منذ 2006)، وهم (الإيرانيون) غير محرجين من تقديم هذا الدعم”.
وتعهد رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنيع الأربعاء بأن يصل جهاز الاستخبارات إلى جميع قادة حماس، وذلك غداة مقتل نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري إثر ضربة في لبنان.
وقال برنيع إن جهاز الاستخبارات “ملتزم بتصفية الحسابات مع القتلة الذين وصلوا إلى غلاف غزة في السابع من أكتوبر” ومع قيادة حماس.
وأضاف “سيستغرق الأمر وقتا، تماما كما حدث بعد مذبحة ميونخ (في إشارة إلى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونخ بألمانيا، والتي شهدت مقتل 11 إسرائيليا بعد أن أخذهم أعضاء جماعة فلسطينية مسلحة تسمى منظمة أيلول الأسود كرهائن في 5 سبتمبر عام 1972)، لكننا سنضع أيدينا عليهم أينما كانوا”.
وجاءت تصريحات برنيع خلال تشييع رئيس الموساد الأسبق تسفي زامير، الذي أشرف على العمليات الانتقامية الإسرائيلية ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة في أعقاب مقتل رياضيين أولمبيين إسرائيليين في ميونخ عام 1972.
ويرى مراقبون أن إسرائيل لا تقيم اعتبارا للتهديدات التي تسمعها من إيران وغيرها بشأن الهجمات التي تنفذها ضد أهداف معينة، وأنها قد توسع دائرة الاستهداف بشكل متسارع ضمن تغيير إستراتيجيتها التي تقوم على تنفيذ عمليات نوعية.
وقال المحلل السياسي اللبناني طوني بولس “من الواضح أن إسرائيل اتخذت قرار تصعيد وتيرة الهجمات ضد فصائل محور الممانعة، فهذا الاستهداف هو الثاني من نوعه بعد اغتيال المسؤول في الحرس الثوري الإيراني بدمشق الأسبوع الماضي”.
وأشار بولس إلى أن “اغتيال العاروري يعتبر أعنف استهداف في العمق اللبناني منذ حرب 2006، ما يعني أن إسرائيل أسقطت ما كان يعرف بقواعد الاشتباك، ولم تعد لديها خطوط حمراء تجاه مواجهة إيران في المنطقة، وهذا ما ينذر باستهدافات أكبر”.
وأكد أن “اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت وضع حزب الله أمام مفترق خطير جدا (…)؛ فهو مضطر إلى الردّ لحفظ ماء وجهه، لكن في الوقت نفسه هناك إشكالية تكمن في أنه لا يملك ضوءا أخضر إيرانيا، باعتبار أن إيران لم ترد بعد على مقتل القيادي في الحرس الثوري”.
وأدان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قتل العاروري الذي وصفه بـ”العملية الإرهابية الجبانة” التي “تثبت أن الكيان الصهيوني وبعد أسابيع من جرائم الحرب والإبادة الجماعية والدمار في غزة والضفة الغربية الفلسطينية لم يحقق أيًّا من أهدافه رغم الدعم المباشر من البيت الأبيض”.
وأكد حزب الله في بيان أن قتل العاروري يعد “تطوّرا خطيرا”.
وقالت مهى يحيى، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، لفرانس برس إن قتل العاروري يعد “تصعيدا كبيرا”، لكنها أضافت “لا أعتقد أن حزب الله ستكون لديه رغبة في جر لبنان إلى نزاع كبير في هذه اللحظة والتوقيت بالتحديد نظرا إلى الوضع الإقليمي”.
ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاغتيال ليل الثلاثاء إلا أنه يُعتقد على نطاق واسع أنها تقف وراء قتل العاروري (57 عاما). وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري في مؤتمر صحفي الأربعاء إن قواته “في حالة تأهب (…) دفاعا وهجوما. نحن على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات”.
عن موقع جريدة العرب بتصرف