• ماي 2, 2025

حسن بناجح… حينما يوظف “البراح” القضايا الإقليمية والدولية لتصريف حقده على الوطن (كاريكاتير)

في سالف الزمان والمكان، كانت وظيفة “البراح” غاية في الأهمية تُعول عليها الأقوام لنقل الأخبار المفرحة وتباشير طال انتظارها، لاسيما في الفترات الكالحة من التاريخ، حيث الطاعون والمجاعة وقلة ذات اليد تُضَيِّقُ على الناس عيشتهم. والمهنة هاته وبما تتطلبه من صوت جَهْوَرِي وإلزام النفس على ملاقاة المواطنين في أي ميقات لإخبارهم بما استجد من أحداث، يتلقفها البراح على لسان السلطان أو من هم في حكمه وقتذاك، كان صاحبها يتميز بالاستقامة وحرصه الشديد على مزاولتها في إطار داخلي ضيق، حيث لا قبائل أخرى أو مناطق متاخمة قد تشتم خبرا لما يجري الإعداد له أو ما قد تعرفه البلاد من أحداث قادمة قبيل أن يأذن أصحاب الشأن والمعالي بذلك.

واليوم وبعد أن خرجت المجتمعات سالمة من كافة النوائب التي ألمت بها في الأزمنة الغابرة، وصرنا نعيش في زمن يُحكى أنه متطور وينهل من معين تلاقح الحضارات، فقد اندثرت بعض المهن فيما تم تشويه جوهر أخرى، حينما آثر أشخاص على تطويعها بشكل يتماشى ومخططاتهم الرامية إلى نيل الحُظوة والقرب من الخارج.

وبمقتضى ذلك، أضحى البراح صوتا للخارج ينقل عنه التعليمات ويمشي بين مواطنيه ناشرا لها. وعلى كل من يرتجي من بَرَّاحِي العصر الحالي خيرا، أن يعي جيدا أنه لا قاسم مشترك يجمعنا بهم غير الأرض التي نسكنها جميعا لكنها لا تسكنهم. فحسن بناجح ترك لنا حب الوطن وارتأى أن يتنازل لنا نحن المغاربة من بني جلدته عن واجبه في التفاعل -والحياد زاده-  مع كل كبيرة وصغيرة تخطوها البلاد على مختلف الأصعدة. إن سليل العدل والإحسان ومعه باقي أعضاء الجماعة المحظورة ليسوا بالكارهين لبلدهم في الخفاء، بل على العكس، إنهم يشكلون خلية رصد وتتبع علنية على مدار اليوم، لما يجري في الواقع وعلى المواقع ويرفعون ربما التقارير بشأنها في أفق تحديد خط الهجوم المسطر على مقاس عيون “زرقاء اليمامة” المتربصة بالمغرب.

وعلى هذا المنوال، انبرى مريد عبد السلام ياسين في صقل تفاصيل القضايا الوطنية كي تصبح شفرات حادة يطعن بها المغرب لصالح القضايا الإقليمية والدولية. وهكذا، صرنا وطن يستعر منه حسن بناجح لأنه استأنف العلاقات مع إسرائيل. وهكذا، يرى براح الخارج نفسه مضطرا بالكاد أن يتحمل العيش بين ظهرانينا أو يتنفس مثلنا نفس الأوكسجين السائد في المملكة. واحتكاما لنفس السبب، اختار زملائه العدلاويين التنعم بإجازات مريحة على بوسفور إسطنبول دونما الحاجة إلى حمل هم التكاليف لأن الجماعة إياها أقنعتنا، وعلى مر سنوات طوال، أنها زاهدة في الدنيا ولا تستطيع أن تستطعم حلاوة الحياة في ظل انشغالها بالنضال في سبيل العدالة الاجتماعية. وحتى إن لم يرقنا الوضع، فالجماعة ذات الوجهين ماضية في توجهها الذي دفع أعضائها لقضاء ما تيسر من عطلهم في تركيا، غير آبهين بأن الأخيرة تزود إسرائيل بما يلزم من أسلحة للتنكيل بالأشقاء الفلسطينيين في غزة.

وزدك من الشعر بيتا، نحن والتخلف سواء باعتقادنا أن أتباع العدل والإحسان يتهاوون في سلم التقوى بدفاعهم المخجل عن كل من يأتي المنكر باسم الحريات الشخصية والعلاقات الرضائية. فما هَمْ حسن بناجح وإخوانه إلا الاستمرار في معاكسة الدولة وتعطيل حسن سير مؤسساتها الأمنية والقضائية. وأما عن جمرة الدين الخافتة في مجامعهم، فلا تعدو أن تكون سوى فزاعة يشهرونها، بين الفينة والأخرى، في وجه الوطن، أو “المخزن” كما يحلو لهم أن ينعتوه كلما تعارضت مساعيهم الخبيثة مع شرعية القوانين ووحدة البلاد والعباد.

وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين، إنهم عاصروا الخمر وإتيان الرجال من دبورهم وتنافسوا على حب حماس وإيران الداعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية بالعتاد العسكري، وطعنوا في مصداقية الطوارئ الصحية إبان جائحة كورونا وجالسوا المطالبين بإسقاط النظام، واستعمروا الشوارع العمومية بمظاهراتهم “المسيسة” الرامية إلى تقزيم المغرب بين العرب وإبعاد روح الانتماء والعروبة عنه في تعاطيه “الإنساني” مع القضية الفلسطينية. لقد بلغ بهم التوجس أيما مبلغ وهم يشككون حتى في دوافع الإحصاء العام للسكنى برسم سنة 2024. ومع كل ما يكتنزه حسن “بنساقط” من ثروات لا تحتاج إلى إحصاء البتة أو حتى هواجس بالية صار ينظر للمكلفين بالعملية على اعتبارهم مخبرين وظفهم “المخزن” بعد مضي 10 سنوات على آخر إحصاء خضعت له الساكنة عام 2014، كي يمدوه بمحتويات منزل الغوانجي المتشبع بنظرية المؤامرة. عن أي سخف وبلادة قد نتحدث والرجل يتوجس من مؤسسات وطنه لأنها تنخرط -بحسبه- في التجسس عليه كل عشر سنوات؟؟.

وفي المحصلة، نبارك لحسن بناجح وباقي إخوانه المتأسلمين أرشيفهم المشرف المتضمن من كل فن طرب ومن كل مفسدة نصيب. ومن يدري فتاريخهم الخِصب قد يُغري مخرجا سينمائيا، في يوم من الأيام، كي يحوله إلى مادة فنية أو وثائقي عن الضلال في رحاب القابضين على جمرة الدين.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة