• ماي 3, 2025

تحقيق إعلامي مثير يفضح أساليب المخابرات الجزائرية للإيطاح بمعارضي النظام وكيف حوّلت المقرات الدبلوماسية إلى غرف للترهيب

كشف تحقيق إعلامي حديث عن ممارسات غير قانونية تنتهجها المخابرات الجزائرية في فرنسا، حيث تستخدم البعثات الدبلوماسية كأدوات لاستدراج وإخضاع معارضي النظام.

في تحقيق صادم بثته القناة الفرنسية الثانية France2 ضمن فقرة L’Œil du 20 heures، تم تسليط الضوء على الطرق السرية التي تعتمدها الأجهزة الجزائرية لتكميم أفواه معارضيها المقيمين على الأراضي الفرنسية، ومحاولات إغرائهم بوعود زائفة مقابل التراجع عن مواقفهم السياسية.

يكشف التحقيق عن استغلال النظام الجزائري لمقرات بعثاته الدبلوماسية، خاصة القنصليات والسفارة الجزائرية في باريس، كمراكز غير رسمية للاستجواب والترهيب. هذه المواقع، التي من المفترض أن تظل بعيدة عن أي أنشطة استخباراتية، تحولت إلى غرف تحقيق غير معلنة، يتم فيها استدراج معارضين جزائريين عبر وسائل متعددة، تشمل الابتزاز والإغراء بوعود إسقاط الأحكام الصادرة ضدهم.

وبحسب التقرير، فإن المخابرات الجزائرية تعتمد على أسلوب مزدوج: تقديم مغريات مالية أو وعود بالعفو لبعض المعارضين، وفي حال الرفض، تلجأ إلى التهديدات المباشرة أو الضغط على أفراد أسرهم داخل الجزائر. هذا التكتيك يعكس استراتيجية أمنية توسعية، لا تقتصر على الداخل الجزائري، بل تمتد إلى الخارج، حيث تحاول الأجهزة الأمنية فرض سيطرتها على الأصوات المعارضة حتى في المنفى.

وبعد ساعات من بث التحقيق، انتشر الخبر بسرعة داخل الأوساط الجزائرية المعارضة، مما دفع وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية إلى إصدار ردود فعل متشنجة.

الصحفي والناشط السياسي الجزائري وليد كبير كان من أوائل الذين تفاعلوا مع القضية، مؤكدا أن التحقيق كشف عن “مدى الهوس الذي يعاني منه النظام الجزائري تجاه منتقديه في الخارج”. وأشار كبير إلى أن القناة الفرنسية الثانية قدمت أدلة دامغة على تورط السفارات والقنصليات الجزائرية في عمليات ترهيب منظمة.

في المقابل، سارعت وكالة الأنباء الجزائرية إلى الدفاع عن النظام عبر بيان اتسم بالارتباك، حيث زعمت أن الإعلام الفرنسي منخرط في “حملات مغرضة” ضد الجزائر. هذا الرد، بدلاً من أن ينفي الاتهامات، عزز الاعتقاد بأن النظام الجزائري متخوف من تداعيات التحقيق، خاصة أنه جاء في وقت تواجه فيه الجزائر انتقادات دولية متزايدة بشأن تقييد الحريات وقمع المعارضين.

وتعتمد المخابرات الجزائرية على شبكة واسعة من العملاء في الخارج، خصوصا داخل الجالية الجزائرية في فرنسا، حيث يتم استغلال بعض الأفراد في جمع المعلومات حول معارضين بارزين. التحقيق كشف أيضا عن حالات تعرض فيها معارضون جزائريون لمحاولات استدراج إلى السفارات أو القنصليات بحجج إدارية، ليجدوا أنفسهم في مواجهات مباشرة مع عناصر استخباراتية تحاول ابتزازهم بملفات قضائية أو أسرية.

ومن بين الأساليب التي كشف عنها التحقيق:

  • الاستدراج عبر الوسطاء: حيث يتم إرسال أفراد محسوبين على النظام للقاء المعارضين ومحاولة كسب ثقتهم.
  • الضغط على العائلات في الجزائر: عبر تهديد ذوي المعارضين بحرمانهم من الحقوق المدنية أو تلفيق تهم ضدهم.
  • الإغراء بالعفو أو الامتيازات: تقديم وعود بإسقاط الأحكام القضائية مقابل التعاون أو التوقف عن الأنشطة المعارضة.

أثار التحقيق تساؤلات حول ما إذا كانت فرنسا على علم بهذه الأنشطة داخل أراضيها، وما إذا كانت ستتخذ إجراءات لمواجهتها. فوجود عمليات استخباراتية أجنبية غير مشروعة داخل الحدود الفرنسية يمثل انتهاكاً صارخا للسيادة الوطنية، ويطرح تساؤلات حول مدى تغاضي باريس عن هذه الممارسات.

ومع تصاعد الضغوط الإعلامية والدبلوماسية، قد تجد السلطات الفرنسية نفسها مجبرة على التحقيق في هذه الادعاءات، خاصة أن القضية تمس مبدأ حماية اللاجئين السياسيين، وهو ركن أساسي في السياسة الحقوقية الفرنسية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها كشف ممارسات الأجهزة الجزائرية خارج حدود البلاد، لكنها قد تكون واحدة من أكثر القضايا إحراجا للنظام. فمع كل تحقيق إعلامي يكشف عن أساليب القمع والترهيب التي يعتمدها، تتعزز صورة النظام كدولة بوليسية تمارس رقابتها حتى خارج حدودها.

لكن السؤال الأهم هو: هل ستستمر هذه الأساليب دون محاسبة، أم أن الضغط الدولي والحقوقي سيدفع الجزائر إلى مراجعة نهجها في التعامل مع معارضيها؟

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة