حين يخاف “المنافق” سليمان الريسوني من الغرب الذي يستجديه بسبب “معاداة السامية”
في خضم تحضير سليمان الريسوني لطلب لجوء سياسي إلى إحدى الدول الغربية، وعلى الأرجح كندا أو بريطانيا، نشر المعني بالأمر تدوينة مطولة حاول من خلالها الدفاع عن نفسه ضد تهمة بدأت تلاحقه بقوة في الأوساط الحقوقية والإعلامية وهي معاداة السامية.
وقد جاءت هذه التدوينة في سياق تصاعد انتقاداته لإسرائيل وتوظيفه المتكرر للقضية الفلسطينية في خطابه السياسي، ما أثار علامات استفهام حول انسجام مواقفه مع المعايير الصارمة المعتمدة لدى سلطات الهجرة في الدول الغربية، والتي تعتبر أي تعبير عن كراهية اليهود أو تحريض ضدهم سببا مباشرا لرفض طلب اللجوء، بل وحتى للمتابعة القانونية في بعض الحالات.
في هذا السياق، تتبدى التدوينة كوثيقة دفاع استباقي، ليس ضد الدولة المغربية كما يدعي ظاهرها، بل ضد ما يخشاه صاحبها في عمق وجدانه، أي سقوط مشروع اللجوء في أول امتحان قيمي أمام سلطات دول لا تتهاون في قضايا الكراهية والتمييز.
في تدوينته الأخيرة، لم يكن سليمان الريسوني يعبر عن موقف بقدر ما كان يرافع عن نفسه بشكل استباقي، في محاولة لتبديد هواجس تزداد ثقلا في مسار هروبه نحو إحدى الوجهتين المفضلتين لديه: كندا أو بريطانيا.
ما بين السطور، يظهر أن الريسوني لم يعد يخشى “الاستهداف السياسي” كما يدّعي، بل بات يواجه هاجسا أخطر وهو سقوط ملف طلب اللجوء بسبب تهمة معاداة السامية، وهي تهمة لا تغتفر في الدول التي يستجدي منها “النجاة”.
ولأن معاداة السامية تُعد من المحظورات الأخلاقية والسياسية في كل من كندا وبريطانيا، فإن السلطات هناك لا تتعامل معها كتعبير عن الرأي، بل كعنصر قيمي يُحدّد أهلية المتقدم للجوء من عدمها. ومن هنا نفهم دوافع الريسوني في محاولة التملص المبكر من هذه التهمة عبر لغة ملتبسة، زاعما أن الأمر لا يعدو كونه “مؤامرة استخباراتية لتلطيخ صورته أمام المنظمات الدولية”، وهو طرح يكشف عن ارتباك عميق وفقدان للثقة في المسار الذي يقوده نحو الضفة الأخرى.
لكن المثير في كل هذا، ليس مجرد الخوف من الرفض الإداري، بل الانهيار الأخلاقي الذي يكشف عنه الخطاب الدفاعي للريسوني الذي طالما قدّم نفسه كصوت “ممانع”، لم يتردد في مهاجمة الغرب ونقد صمته عن السياسات الإسرائيلية، بل وتبنى في أكثر من مناسبة لغة متشددة تجاه اليهود، سواء عبر الإيحاء أو الهجوم المباشر. ثم، فجأة، يتحول هذا “المتمرد المفترض” إلى طالب حماية في أحضان نفس الغرب الذي نعته بالتواطؤ وازدواجية المعايير… إنه مشهد فجّ من النفاق السياسي والأخلاقي، يعكس سقوطا ذريعا في اختبار الاتساق مع الذات.
من جهة أخرى، فإن ما لم ينتبه إليه الريسوني، أو بالأحرى ما يحاول تجاهله، هو أن طلب اللجوء في الدول التي يسعى إليها لا يقتصر على سرد وقائع الاضطهاد السياسي أو سردية السجن، بل يتضمن تقييما شاملًا للشخص من حيث انسجامه مع القيم الليبرالية، وعلى رأسها احترام الأقليات، ورفض خطاب الكراهية، بما في ذلك كل ما يتعلق بعداء السامية أو التحريض المبطن ضد اليهود. وهو ما يعني أن تدويناته ومقالاته السابقة ـ التي لا تمحى من الأرشيف ـ يمكن أن تستحضر ضده كقرينة على افتقاده لما يسمى في قوانين الهجرة بـ”حسن النية والقيم المشتركة”.
ولذلك، فإن الخوف الذي عبّر عنه سليمان الريسوني ليس عبثيا، بل واقعيا ومنطقيا. لكنه في الوقت ذاته كاشف لتناقض صارخ، حيث أنه في اللحظة التي يدرك فيها أن خطاب الكراهية الذي مارسه قد يتحول إلى عقبة قانونية في وجه مشروعه الجديد، يلجأ إلى الإنكار والمراوغة واتهام أطراف غامضة بالتشويه، بدل تحمل مسؤوليته عن خطاب سبق أن تبناه طواعية.
والأدهى من ذلك، أن القلق الذي يسيطر على الريسوني لا يقتصر على احتمال رفض طلبه، بل على ما قد يُطلب منه لاحقًا في حال قبول الملف… بمعنى مواقف واضحة ومكتوبة تبرئه من تهمة معاداة السامية وتُلزمه بميثاق احترام بدولة إسرائيل والديانة اليهودية، وهو ما سيضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التراجع العلني عن مواقفه السابقة، وهو ما سيُفقده ما تبقى من مصداقيته لدى مناصريه، أو التشبث بخطابه المتطرف، وهو ما قد يُسقطه قانونيا وأخلاقيا أمام سلطات الهجرة ذاتها.
بكلمة واحدة، ما تواجهه سليمان الريسوني اليوم ليس أزمة في اللجوء، بل أزمة هوية أخلاقية.. شخص يريد النجاة عبر الطريق الذي طالما لعنه، ويبحث عن القيم التي طالما سخر منها، ويستجدي الرحمة في حضن من وصفهم ذات يوم بـ”المتواطئين مع الاحتلال”.
إنها لحظة فارقة، لا تخص الريسوني وحده، بل تكشف زيف خطابات كثيرة ما إن تُوضع تحت مجهر المصالح الشخصية حتى تتهاوى.