هشام جيراندو.. أفعى الانتقام “ميدوسا” التي التهمت نفسها (كاريكاتير)

“عاش الملك”، هي جملة قصيرة لكنها تختزل مسارا طويلا من التلاحم بين الملك والشعب، وتؤسس لارتباط وثيق بالملكية إلى أن يرث الله أرض المغرب ومن عليها. وللعلم، إنه لمن المُتاح لأي كان أن يلهج لسانه بمنطوق وطني، إنما ليس بمقدور أي كان أن يتطابق منطوق لسانه مع مكنونات قلبه وروحه. وتكريسا لوطنية حقة، حتى سلوكيات المرء يُفترض أن تُحاكي منطوق لسانه وما هو مخبوء في دواخله، وإلا صارت العبارة “ورقة رابحة” في يد من هب ودب يتخفى ورائها كلما اشتد عليه الخناق أو استشعر دنو ساعته و أُفُول نجمه.

إننا لنقف على صحة طرحنا، من حين لآخر، حينما تعلو صيحات الوطنية “المزعومة” على المنصات الاجتماعية، صادرة ليس عن وطنيين صادقين، إنما عن مجرمين ومنشقين عن الوطن يتهيأ لهم أن التمسك بأهداب الوطنية “في الدقيقة 90” قد يُخلصهم من المتابعة القضائية أو يجعلهم فوق كل مسائلة، لأن ألسنتهم غيرت من خطابها الفج وصارت تتغنى بالولاء والدعاء بأمد العيش لعاهل البلاد. والواقع، أن أمثال هؤلاء يُدنسون الشعور الجمعي بالوطنية و “تمغرابيت”، لأنهم مغاربة وفقا لإملاءات الظروف ولإكراهات الزمان والمكان ومتغيرات اللعبة “القذرة”.   

وكأن بِخُلْدِهِمْ ما يبعثهم على الاطمئنان “الوهمي” وهم يتلفظون برسائل مشفرة مفادها “ما دويوش معايا” أقولها وأُعيد الكَرَّة “عاش الملك”، وهو التكتيك الذي تسلم مشعله هشام جيراندو ممن سبقوه إلى احتراف “السعاية قدام الديور لكبار” للتخفي من عدالة لا بد منها وإنكارا لجرائم لا مفر من تبعاتها.

واليوم وقد صاروا أرشيفا تؤثث تفاصيله رفوف المحاكم المغربية والأجنبية، لا أحد يتذكر أيامهم الخوالي أو حتى يستحضر سيرتهم ك “فيروسات” دخيلة تستهدف تماسك المجتمع المغربي، لأن الذاكرة الوطنية دائما ما تستدعي في حاضرها ومستقبلها من يبني وليس من يهدم. إنما “على من كتقرا زابورك يا داود؟ “، فهشام جيراندو ومن سبقوه ومن سيعقبونه ممن يخضعوا لعملية غسيل الدماغ لدى المتربصين بالمملكة الشريفة، قد عقدوا صفقة مع الشيطان شعارها  l’argent est ma religion”. ولا فَطِنْ واحد ضمن جوقة الخونة، على اختلاف مشاربهم، قد استنبط “لُبْ” تجارب سابقيه المتمثل في “أنتم السابقون ونحن اللاحقون” عله يستعيض أو يتراجع عن الخَطْوْ.   

وحتى دينهم الدنيوي الزائل لم يضمنوا لأنفسهم أبديته، فالأزمة تطوق عنق هشام “الكندي” من كل حدب وصوب. فلا هو قلبه عاش في هناء وحُبُور بفضل عائدات الأدسنس، ولا هو استطاع الحفاظ على دخله المتحصل من الابتزاز والتشهير بضحاياه من مروجي المخدرات، ولا حتى تجارته “البور” من “الخردة” التركية قد أفلح في تطويرها بمونتريال وجعلها “براند” حقيقية. أما وعن الحلم “الكندي”، فقد صار كابوسا لم يتبقى منه إلا كُتيب يتضمن بضع ورقات يُسمونه جواز السفر الكندي” انقلب حال حامله المختبئ حاليا بدولة إندونيسيا تحسبا لأي اعتقال آت لا محالة.

لقد أتى بائع عائلته في سوق النخاسة الدولة المغربية من أعلى هرم السلطة وصولا إلى أبناء الوطن بكثير من الصفاقة وقلة اللباقة، واصفا المغاربة ﺑ “الأوساخ” ومتعرضا لإمارة المؤمنين بقاموس سفيه يحرض الشعب عليها، وعلى دورها الجوهري الضامن للأمن الروحي للمجتمع على مر العصور والأزمنة. لم يترك الرجل لنفسه باب الوطن مُوَاربا كي يدخل منه عن طريق تفعيل نداء “إن الوطن غفور رحيم”.

لقد أضحى هشام جيراندو ورقة محروقة انقضى زمانها بانقضاء قدرتها على تركيع الوطن، حسبما صور المسعى لمحتضنيه العساكر وهو يُقدم بين أيديهم ورقة تعريفية لمشروعه العدمي حتى يقتطع منهم تمويلا سخيا. فبين ولاء لا مشروط لأعداء الوطن بالأمس القريب وولاء مُستجد اليوم للوطن وللسدة العالية بالله، لا تنطلي على أحد حيلة “الشعور القومي” المفاجئ، كون تحركات المعني بالأمر الحالية كلها تصب في اتجاه تَبَلُّدْ واضح في المشاعر، بحيث ينفصل العقل كلية عن الشعور ويغدو المحرك الأساس الحاجة الملحة للخلاص أيا كان القول والفعل. المهم الخلاص المفقود!!!

وتمسكا منه بأية قشة، نطرح سؤالا لا بد منه على هشام جيراندو.. هل أنت محاط حاليا ﺑ “غرارين عيشة”؟؟ لماذا السؤال عن الأمر؟؟ لأنه يجر في أذياله أسئلة أخرى نعي جيدا جوابها إنما جيراندو البليد لا يدرك منها شيئا. من همس “عبثا” في أذنه بأن “الدولة العميقة” التي يتصور لها وجودا افتراضيا بأرض المغرب، تتفاوض مع المنشقين مقابل تغيير جلدتهم؟؟ كيف يتوهم المسكين بأن القفز الانتحاري من مغبة “الفاسدون ليسوا ملوكا” إلى “أنا ملكي حتى النخاع” قد تمحو سيلا من الإساءات للوطن ولمسؤوليه الشرفاء؟.

ومن لواعج الأسى، أن تُصاب امرأة تدعى “ميدوسا” بمسخ بفعل اقترافها لخطيئة في قلب الكنيسة، ومن تم تحمل في جسدها رأسا متعدد الثعابين، وفق سرديات الأساطير الإغريقية توظفه كأداة للانتقام من كل ناظر لها تحوله إلى حجر. غير أن الثعابين التي كانت مصرة على التهام الآخرين قد انتهى بها المطاف ملتهمة لنفسها، أليس كذلك يا جيراندو!!!

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة