بلاغ “الاستياء”.. عسكر الجزائر يهاجم جيرانه بثلاث صفحات من الهذيان الدبلوماسي
يبدو أن النظام الجزائري قرر أن يرتدي رسميًا عباءة “عدو الجوار”، وأن يُثبّت مكانه في الزاوية المعزولة من الخريطة الجيوسياسية، فبعد سلسلة العداوات المفتوحة مع المغرب وتونس وفرنسا وإسبانيا، جاء الدور هذه المرة على بلدان الجنوب: مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.
ففي بلاغ جديد صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، ظهرت “الركاكة” دبلوماسيةً مكتوبةً على ثلاث صفحات كاملة، مليئة بالتأفف والتشكي من “استفزازات الجيران”، والتلميح إلى “مؤامرات خارجية” و”سلوك عدائي لا يُطاق”، في ردّ على ما وصفه البلاغ بـ”الادعاءات المجحفة” الصادرة عن مالي وحليفتيها، التي اتهمت الجزائر بإسقاط طائرة استطلاع مسيّرة تابعة للجيش المالي.
وبدلاً من تقديم تفسير مقنع أو تبني مسار التهدئة كما تفعل الدول العاقلة، اختار نظام العسكر من جديد أن يصب الزيت على النار، ويتهم خصومه بـ”قلة الوفاء”، و”نكران الجميل”، و”الخضوع لقوى أجنبية معادية”، وكأن النظام الجزائري يملك تفويضًا إلهيًا يُمكّنه من تحديد من هو الوفي ومن هو الخائن، من يجب أن يُصفق له، ومن يحق له التحدث!
البلاغ، الذي لم يخلُ من لغة خشبية متآكلة، يعكس بوضوح ذهنية “العقل بدون طيار” التي تحكم أروقة النظام في الجزائر؛ فكل من لا ينحني للخطاب الرسمي القادم من قصر المرادية يُصبح فجأة أداة أجنبية، وعميلًا للاستعمار، وعدوًا للوحدة الإفريقية!
وفي مشهد يُشبه استغاثة شخص في غرفة مغلقة وهو يصرخ: “أنتم جميعا مخطئون، وأنا وحدي على صواب!”، اختارت الجزائر أن ترد على اتهامات مباشرة – بالغة الخطورة – من ثلاث دول ذات سيادة، بمزيد من التهرب والاتهامات العامة، دون الاعتراف بأي مسؤولية أو تقديم أي مبرر عقلاني لإسقاط الطائرة، كما لم تكلّف نفسها عناء التواصل الثنائي مع العواصم الثلاث لتفادي مزيد من التصعيد.
ما لم تدركه الجزائر بعد، هو أن هذه النبرة العدائية لم تعد تجدي نفعاً، لا على المستوى الإقليمي، ولا حتى لدى شعوبها التي بدأت تمل من خطاب “المؤامرة” و”الطعن في الظهر” و”العدو الخارجي”.
الواقع أصبح صادماً ومثيراً للسخرية في آن واحد: كل جيران الجزائر مخطئون، وكل القوى الدولية تآمرية، وكل المؤسسات الإعلامية منحازة، وكل انتقاد خيانة، وكل ملف حقوقي مؤامرة… أما الحقيقة، فهي محفوظة فقط في خزائن جنرالات يرفضون الاستيقاظ من حلم الاستعمار القديم.
قد يكون الأسوأ في كل هذا، أن من يقود هذه الجوقة المتهالكة لا يدركون حجم السقوط الدبلوماسي والسياسي الذي يقودون بلادهم إليه. أو كما يقول المثل: أسوأ السيئين هم أولئك الذين لا يعلمون أنهم كذلك.