زعيم سياسي أم ناشط فايسبوكي؟ بنكيران يسب مواطنين ويتطاول على الدولة!
مسخرة دبلوماسية جديدة.. الجزائر تطرد 12 موظفا فرنسيا وتغرق في وهم الرد بالمثل!
في خطوة تعكس الارتباك المزمن الذي يطبع دبلوماسية النظام العسكري الجزائري، قررت السلطات الجزائرية طرد 12 موظفًا في سفارة فرنسا بالجزائر، ومنحتهم مهلة 48 ساعة فقط لمغادرة البلاد، في رد مرتبك على توقيف ثلاثة جزائريين في فرنسا يُشتبه في تورطهم في عملية اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص، المعروف بـ”أمير دي زاد”.
المثير للسخرية أن بين المطرودين موظفين تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية، وكأن الجزائر قررت في لحظة غضب طفولي أن تعاقب الدولة الفرنسية على تفعيل قضاء مستقل، فقط لأن هذا القضاء تجرأ على فتح تحقيق حول اختطاف مواطن حاصل على اللجوء السياسي بفرنسا، فوق التراب الفرنسي، في ملف مرتبط بالإرهاب!
ردّ وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، لم يتأخر، حيث طالب الجزائر بالتراجع عن هذه الإجراءات التي وصفها بالانتقامية وغير المرتبطة بأي مسار قانوني، ملوّحًا برد فوري ومماثل في حال تم تنفيذ الطرد، ما ينبئ بأزمة دبلوماسية مفتوحة تُضاف إلى سجل الإهانات المتبادلة بين الجزائر وباريس.
السبب الحقيقي وراء كل هذا التشنج يعود إلى اعتقال السلطات الفرنسية ثلاثة رجال جزائريين، أحدهم موظف رسمي في قنصلية الجزائر، بتهم خطيرة تتعلق بـالاختطاف والاحتجاز التعسفي داخل الأراضي الفرنسية، في إطار مخطط له صلة بـ”الإرهاب”، وفق ما أكدته النيابة العامة الوطنية الفرنسية لمكافحة الإرهاب.
الرجل المستهدف بالاختطاف هو أمير بوخرص، أحد أبرز الأصوات المعارضة لنظام العسكر، والمقيم في فرنسا منذ 2016، والذي أصبح يحمل صفة لا تطاق بالنسبة للجزائر: لاجئ سياسي محمي من القضاء الفرنسي، بعدما رفضت باريس في 2022 تسليمه، رغم إصدار الجزائر تسع مذكرات توقيف دولية بحقه!
هل يعقل أن تتحول دولة تزعم السيادة والاحترام المتبادل إلى طرف متورط في اختطاف فوق أرض دولة ذات سيادة؟
بل هل يُعقل أن يكون الرد على كشف هذا السلوك المافيوزي هو طرد دبلوماسيين؟
الجزائر، التي لم تنجح في فرض روايتها أمام المحاكم الفرنسية، اختارت هذه المرة أن تستعرض عضلاتها ضد موظفين دبلوماسيين لا علاقة لهم بالقضية، في خطوة أقل ما يقال عنها إنها رد فعل يائس، يفتح الباب أمام تدهور خطير في العلاقات بين البلدين.
فبدل الانكباب على مراجعة سياساتها الخارجية وتطهير ممثلياتها من المتورطين في أعمال استخباراتية مريبة، تصرّ الجزائر على لعب دور الضحية، وتتحدث عن “مؤامرة فرنسية” ضدها، لتُخفي عجزها عن إخضاع القضاء الفرنسي لرغباتها، في وقت تتحدث فيه باريس بلغة القانون والمؤسسات.
والمفارقة المؤلمة أن الجزائر، التي فشلت في ترحيل معارض واحد، تهدد الآن بإشعال أزمة شاملة مع فرنسا، بينما هي في أمسّ الحاجة لدعم أوروبي لمواجهة أزماتها الداخلية الخانقة، من انهيار اقتصادي، وتوترات اجتماعية، وعزلة إقليمية متزايدة.
هذا التطور السخيف يندرج في سلسلة من السلوكيات الغريبة التي تنتهجها الجزائر في علاقاتها الخارجية، حيث كل خلاف يُترجم إلى طرد أو قطع أو تجميد، والنتيجة: عزلة دبلوماسية تزداد عمقًا، سواء مع المغرب، أو فرنسا، أو حتى دول الساحل الإفريقي التي تتهمها علنًا برعاية الإرهاب.
فهل النظام الجزائري يعتقد أن طرد موظفي سفارة سيُعيد له هيبته المفقودة؟
أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية جديدة لإقناع الداخل بوجود “عدو خارجي” يتآمر على البلاد، تمامًا كما اعتاد على ذلك منذ عقود؟
مهما يكن، فإن هذه المسخرة الجديدة تعكس منسوب الإفلاس الدبلوماسي الذي بلغته الجزائر، حيث لم يعد لها ما تقدمه سوى الضجيج، والشتائم، والطرد العشوائي للموظفين.
أما فرنسا، فغالب الظن أنها سترد، ولكن بلغة أكثر اتزانًا، تعكس فرقًا حضاريًا بين دولة تحكمها المؤسسات، وأخرى يحكمها “الكابرانات” بمنطق القرون الوسطى.