استقبال حموشي لرئيس استخبارات الحرس المدني الإسباني… الرباط تتحول إلى مركز ثقل استخباراتي في المتوسط

لم تكن زيارة اللواء الإسباني لويس بالييز بنيرو، رئيس الاستعلامات بالحرس المدني الإسباني، إلى الرباط يوم 23 أبريل 2025، مجرد بروتوكول دبلوماسي أو جولة تقليدية لمسؤول أمني جديد. فاختياره للمغرب كأول محطة خارجية بعد تعيينه يحمل دلالات بالغة العمق، لا يمكن قراءتها إلا في سياق هندسة أمنية جديدة ترسخ موقع المملكة المغربية كقطب استخباراتي إقليمي فاعل في حوض المتوسط وشمال إفريقيا.

هذا الاستقبال الذي خصّه به عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، لم يكن مجرد مجاملة رسمية. بل كان لحظة تأكيد حازمة أن المغرب اليوم ليس مجرد شريك لإسبانيا، بل هو الحليف الأمني الأول والأكثر موثوقية في الجوار الجنوبي لأوروبا.

التحول اللافت في دلالات هذه الزيارة، يكمن في توقيتها، وفي الرهانات التي تتجاوز الجانب الأمني الضيق. نحن أمام مشهد جديد، تعيد فيه أجهزة المخابرات الإسبانية ترتيب بوصلتها نحو الرباط، وتعيد الاعتراف عمليًا بأن المعلومة الدقيقة، والتحرك الاستباقي، والتنسيق الحقيقي في مكافحة الإرهاب والهجرة والجريمة، كلها مفاتيح أصبحت تمتلكها الرباط باقتدار.

فالحديث عن مناطق التوتر، وعلى رأسها الساحل والصحراء، لم يعد نظريًا. إنما هو اعتراف بأن الجبهة الحقيقية للمواجهة مع الإرهاب، والتغلغل الروسي الإيراني عبر ميليشيات ومرتزقة، أصبحت في الجنوب، وأن المغرب هو السد المنيع الأخير أمام انزلاق تلك الجبهات نحو أوروبا.

في كل مرة يظهر فيها اسم عبد اللطيف الحموشي في سياقات اللقاءات الأمنية الدولية، يدرك المتابعون أن اللقاء ليس بروتوكولياً، بل هندسة عملية لشراكات أمنية قائمة على الثقة الكاملة.

الحموشي لم يعد فقط مسؤولاً عن جهازين أمنيين مغربيين، بل أصبح واجهة استخباراتية دولية تحظى بثقة واشنطن وباريس ومدريد ولندن وروما، بل وحتى بعض عواصم أوروبا الشرقية.

الوفود الأمنية التي تزور الرباط لا تأتي للعرض أو المجاملة، بل تحمل أجندات تقنية صلبة: تنسيق معلوماتي، برمجة عمليات مشتركة، تحضير لمرافقة أحداث كبرى مثل مونديال 2030، وتحقيق أمن حدودي فعلي في زمن الانفلاتات العبر-حدودية.

مما يثير الانتباه في هذه الزيارة، هو ربط التحركات الاستخباراتية بمسألة تنظيم مونديال 2030. وهنا، يبرز سؤال جوهري: هل تتحول الشراكة الأمنية المغربية الإسبانية إلى تحالف ثلاثي فعلي يضم البرتغال أيضًا؟

الرهان ليس بعيدًا. فالعالم بات يربط الأحداث الكبرى، من كأس العالم إلى الأولمبياد، بقدرة الدولة على حماية أمنها من الاختراقات السيبرانية والإرهابية. والمغرب، وفقًا لما أثبتته السنوات الأخيرة، هو أكثر من جاهز لقيادة هذه المنظومة.

استقبال الحموشي لرئيس استخبارات الحرس المدني الإسباني، في هذا التوقيت وبهذه الحمولة الاستراتيجية، يكرّس موقع المغرب كفاعل أمني مركزي في المتوسط، ويثبت أن السيادة الأمنية المغربية لم تعد قابلة للتشكيك، بل أصبحت معادلة إقليمية يُبنى عليها.

أما من كان يراهن على عزل المغرب إقليميًا أو دوليًا، فإن عليه أن يعيد قراءة المشهد. فحين تطرق أبواب الرباط من طرف كبار العواصم الأمنية في العالم، فذلك إعلان صريح أن زمن المغرب الهامشي قد انتهى، وأن زمن المغرب القوي… قد بدأ.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة