المهداوي بين العبث الإعلامي وخلط الأدوار المؤسسية

عندما يتحول “النقد” إلى حالة مزمنة من الهروب إلى الأمام، وتتساقط الحدود بين المسؤولية والصخب، يصبح من المشروع أن نتساءل: هل ما يفعله حميد المهداوي يدخل في خانة التعبير الحر؟ أم أنه نموذج صارخ عن الانزلاق نحو الفوضى الكلامية باسم “المعارضة”؟

في خروجه الأخير، اختار المهداوي أن يهاجم عبد اللطيف الحموشي، مدير الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، وكأن هذا الرجل يدير حزباً سياسياً، أو يعرض برامجه في مهرجان خطابي. والحال أن الأمر لا يعدو كونه إقحاماً اعتباطياً لاسم مسؤول أمني في جدل لا يعنيه، ومؤسسة سيادية في سجال لا يليق بمقامها.

حموشي ليس سياسياً منتخباً، ولا فاعلاً مدنياً يطالب الناس ببرامج ومواقف. إنه مدير مؤسسة أمنية تشتغل في صمت واحترافية، تحت مظلة القانون والدستور، وداخل منظومة الدولة التي تخضع للمراقبة والمحاسبة وفق آليات دقيقة. محاولة تقديمه كهدف لسهام المهداوي، لا تعكس رغبة في النقد، بل تعطشاً للفت الانتباه بأي ثمن.

مشكلة المهداوي، أنه يصر على تقديم نفسه كصاحب “خطاب حر”، بينما كل مداخلاته تدور في فلك الإثارة الرخيصة، وتعتمد على تحوير الحقائق لا مساءلتها. هو لا يناقش الاختلالات، بل يصنع خصوماً وهميين ليبني فوقهم مشهد المواجهة المفترضة، وكأن المؤسسة الأمنية خصم إيديولوجي أو طرف سياسي ينازع على السلطة.

والأخطر من ذلك، أن هذا النوع من الخطاب يستثمر في جهل المتابعين ببنية الدولة وتقسيم السلط واختصاصات المؤسسات، ليروج لفكرة أن كل شيء مباح، وكل سلطة قابلة للتهكم والافتراء، بما فيها المؤسسات الأمنية، التي يُفترض أن تبقى خارج منطق التلاسن والسجال المفتعل.

ما لا يريد المهداوي فهمه، أو ربما لا يقدر عليه، هو أن الأمن ليس ملعباً لاصطياد النقاط. وأن هناك خطوطاً لا يجب تجاوزها ليس لأنها “مقدسة”، بل لأنها أعمدة استقرار. الإساءة إليها لا تُربك المؤسسة فحسب، بل تهدد ثقة المواطن في دولته، وهذا ما لا يحق لأي صحفي أو ناشط أن يعبث به تحت أي مبرر.

الفرق بين النقد وبين الإسقاط واضح: الأول يفتح أفق الإصلاح، والثاني لا يجلب إلا العدم. وبين المعارض الصادق والمُهووس بالبوز خيط رفيع يُقطع حين تصبح المصداقية مجرد تفصيل ثانوي أمام عدد المشاهدات.

آن الأوان لنفهم أن المسؤول الأمني لا يُحاسب بالمنشورات، ولا يُستجوب على منصات اليوتيوب، بل يخضع، كغيره، لضوابط ومؤسسات وقوانين. ومن لم يفهم بعد هذه القواعد، فعليه مراجعة أبجديات العمل العام بدل تقمص أدوار البطولة الورقية.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة