• ماي 2, 2025

هشام جيراندو.. سيرة سفسطائي اعتاد التجول وسط دروب العبثية و المعلومات زائفة (كاريكاتير)

غريب زمننا هذا الذي اختلطت فيه المنازل، وتحول فيه الرعاع إلى “مؤثرين”، و ظهرت بين ظهرانينا مخلوقات غريبة الطور، هشة الفهم، ركيكة الحجة.. على رأسها نجد النصاب المتجول في أسواق التفاهة الرقمية و الذي يدعى هشام جيراندو، يبدي نفسه ثائرا، ويحاول بلا خجل ولا وجل أن يتطاول على المقامات العلية، يخرج المعتوه في فيديوهات بوجه مغموس في مستنقع الحقد، ليكيل الشتائم و يلقي التفاهات صوب المملكة و رموزها، والذي دفعه ضيق دروب الحيلة للاقتيات على سمعتها كما يقتات الذباب على الجيف.

وليس غريبا أن نراه، كلما شحت عليه المتابعات و نضب عنه سيل المشاهدات، يخرج صارخا كصبي فقد دميته، ينفث سمه في وجه مؤسسات المملكة، القضائية منها والأمنية، دون علم ولا فهم ولا تقدير للنتائج. يحيك القصص كما ينسج الأحمق من الغيم قلاعًا، عشوائيا، مضطربا، لا يعتمد إلى وثيقة و لا يستند على مصدر اللهم بعض السماسرة و المحتالين أمثاله.. يتخذ من الوهم محركا، ومن الحقد محرابا. يصور المغرب، هذا البلد العريق، كأنه ركام أنقاض، وكأن مواطنيه عبارة عن سجناء في عالم من خيالاته المُختلقة.

لكن المصيبة الكبرى، بل ما يفوق الخيال بذاءة، هو أن هذا المارق، مع ما ارتكبه من جرائم وأفعال تستوجب المثول أمام العدالة، صار يلبس عباءة الوعظ، ويستعير الأحاديث النبوية الشريفة وكأنه أحد حملة العِلم، فيستغل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده”، ليبرر دعوته السافرة إلى العنف والدمار.. كأنما كل سفيه و وقح يستطيع تطويع الدّين على مقاس عقله الضيق، أو بالأحرى على مقاس خزائنه التي امتلأت من كرم الرعاة الأجانب الذين يُلقِمونه الكلام كما يلقّم الببغاء دروس الترديد.

ولا ريب أن الحثالة هشام جيراندو وهو الذي خسر كل أوراقه وسُحب من تحت قدميه بساط الزيف، استبد به وهم البطولة و استولى عليه جنون العظمة حتى ظن نفسه خصما لدولة عريقة و خُيِّل إليه أنه عبارة عن قنبلة موقوتة قد تزلزل المغرب من أقصاه إلى أقصاه، والحقيقة أنه في أفضل الأحوال مجرد طبلٍ أجوف يدوي ولا يفزع، لا يهز إلا أذني من يقرعه.. لقد احترق جيراندو إعلاميا، وسقط مجتمعيا، وتعرى أخلاقيا، ولم تبق له إلا فقاعة من بقايا الثرثرة، يحاول أن يصنع منها شبحا يهاجم به دولته.

ما يجهله هذا المفلس أو يتجاهله عن عمد شأنه شأن بقية زملاءه من السفلة المأجورين، هو أن المغرب ليس غرسا عرضيا أو نبتة لقيطة، بل هو شجرة ضاربة في أعماق التاريخ، عاشت قرابة اثني عشر قرنا في عزة وشموخ، تجذّرت على أسس البيعة، وحرسها شعب، وقادها ملوك أفذاذ.. المملكة لم تكن يوما لعبة في يد الرعاع، ولا طريدة للمتربصين. هذه الدولة، التي نجت من جيوش الاستعمار وجحافل الفوضى، لا يمكن أن ترتجف أمام يوتيوبر مأزوم، يبحث في كل خرجة عن لحظة هروب جديدة من ظله وخياله و متابعاته القانونية.

وفي الختام، لا نملك إلا أن نقول إن هشام جيراندو سيظل نموذجا بائسا لما صارت تفرزه الأنظمة الرقمية الجديدة، حيث الشهرة تنال بقلة الحياء، والتأثير يقاس بعدد الشتائم، سيذهب كما ذهب قبله كثيرون، يركلهم التاريخ من الخلف، حيث لا ذكرى إلا في سجلات الخيانة، ولا أثر إلا في مزابل “اليوتيوب” التي ستطوي صفحته كما طوت من قبل صفحات “كراكيز الضجيج الإعلامي” الذين خبتت أضواؤهم و التي لم يبق لها إلا أرشيف السباب والبؤس. أما المغرب فسيظل، رغم كل هذا الغثاء، منارة شامخة لن تطالها أيادي الأقزام ولن تحركها رياح البهلوانات.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة