هشام جيراندو.. إذا باغتتك صفعة “اللحُمة الأمنية” فهي اعتراف بأنك “بليد” (كاريكاتير)

يتجدد العهد وتلتئم أسرة الأمن الوطني، اليوم الجمعة، في عيد ميلادها السنوي الـ69 للوقوف على عُلو كعب صرح مؤسساتي عتيد تم إحداثه عام 1956، أي غَدَاة خروج المملكة المغربية سالمة غانمة من براثن الاستعمار الفرنسي، لتجد بطل التحرير المغفور له محمد الخامس يحتضن شعبه من جديد، مقتديا بقول جده صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة: “إننا رجعنا من الجهاد الأصغر لخوض الجهاد الأكبر”.

لقد انخرط المغرب، وقتذاك، في جهاد بنيوي هاجسه الأكبر إعادة ترتيب أركان البيت الداخلي، بما يُمَكن المغاربة من العيش في ظل أمة قائمة بذاتها وبمؤسساتها الوطنية، الكفيلة بحفظ كرامة الوطن والحيلولة دون اختراق حدوده أو العبث بترابه النفيس.

هذا التوجه الوطني حتى النخاع أفرز لنا مؤسسات وطنية، على غرار الأمن الوطني، من خيرة ما يُعَرِّفُ به المغرب نفسه اليوم أمام المنتظم الدولي، لأنها تَبْرع، داخليا، في رص الصفوف واقتناص إجماع مجتمعي حول دورها الجوهري، ثم تُوسع مداركها، خارجيا، بالانفتاح على المجتمع الدولي، عبر مواكبته والتفاعل إيجابا مع مختلف نداءاته الرامية إلى تبادل الخبرات وتكثيف التعاون الثنائي.

وكما أضحى معلوما، إن مسك زمام أمور البلاد وخدمة المواطن كما يستحق، لم يكن ليتأتى ونعيش عصر التهافت الدولي على خطب وِدْ المغرب، لولا خروج الجهاز الأمني من طابعه الكلاسيكي الذي يُزاوج بين الردع وتخليص الحقوق كمهمات إدارية صِرفة ليدمج في فلسفته بُعدا تواصليا يأخذ في الحسبان “تمغرابيت”.

لقد بلغ الأمن المغربي ما بلغه اليوم من تقدير وإشادة بحسن الصنيع، بفضل إقباله على أبناء الوطن، في المقام الأول ثم الدول الشريكة والصديقة. وصرنا نحيى، بمقتضى الأمر، كأمة نجحت في رفع رهان تدعيم الشعور بالأمن كضرورة حياتية لا محيد عنها، وكمواطنين يشد انتباههم أكثر فأكثر عمل رجل الشرطة، فيحجون بأعداد غفيرة سنويا للقاء أبناء الميدان في أبوابهم المفتوحة، حيث يُزيلون بواقي أي غشاوة قد تفتك بعقول العامة، أو تُبقي الأسئلة حبيسة صدورهم حُيال مهام المديرية العامة للأمن الوطني.  

وهنا مربط “البغال” التواقة إلى “رفس” مكتسبات المملكة بحوافرها التي خَبِرَتْ المسالك “الوعرة” المؤدية لديار “الكفيل” أكثر من دروب الوطن الشامخ بموارده البشرية المتشبثة بأهداب العرش العلوي وكل من يخدمه بوفاء وإيثار، خالعا ثوب الفردانية ومتدثرا بلبوس الاستقامة التي تتعارض مع الأهواء الذاتية.

إنه لمن الصعب النظر إلى الحرب التي يسوقها العدمي هشام جيراندو على الهيئات الأمنية بمنظار أسود أو أبيض فقط. الصورة فيها الكثير من “الرمادية” والتقاطعات بين حسابات آنية يُراد لها أن تتخذ طابعا مستقبليا، عبر إيقاع المسؤولين المغاربة في شراك الشيطنة. وبالتالي، تحويل دوائر القرار إلى سيرك، إما تمر فيه عروض “الخفة” بسلام أو يسقط “العارض” من فوق خيط رفيع كان يشد انتباه الجمهور إليه، أو حتى يَقْضم الأسد ذراع مروضه ذات غفلة منه.

ماذا يجري في دهاليز الحرب الخفية بالضبط؟ من يخطط؟ من ينفذ؟ ومن يُهادن حتى إشعار آخر؟

منذ أن عبروا البحر باتجاه دول تستقطب المهاجرين لتأثيث فراغها الجغرافي واستقر بهم المقام داخل أخرى يُقال أنها “ديمقراطية”، بحيث لا وجود في قواميسها لما قد يعني “ياما ارحمني”، لاسيما مع حملة الفكر الإجرامي- الإرهابي الغاشم، والمملكة المغربية تشهد حالة من التهجم والتقريع المجانب للصواب لكبار رجالاتها، على اختلاف مجالات اشتغالهم. الدوافع “الغير معلن” عنها صراحة تجعل دُعاة تقويض “الرموز” يحصرون حربهم الهجينة بين بنية “سرية” مزعومة وبنية “سردية” تتوخى إفزاع المغاربة من خلال تغليف صورة الرموز ببرواز صَدِئْ، تحضيرا لسخط شعبي قد طُبخت تفاصيله على نار “وقيدة” كما قال كركوز كندا وهو يتقاسم معنا بعضا من توليفة توابل مطبخه “الحارة”.

ولأن التوازن في مقدار التوابل يُترجم إلى تجانس في المذاق، فإن أطباق طباخ كندا “المغمور” قد بالغت في استعمال “الشطة” لأنها تحرق لذة الذوق وتُذهب العقل “لحظيا”. لذلك، من السهولة بما كان إقامة الحجة والدليل على الرجل وهو يقذف المؤسسة الأمنية، بشقها الاستخباراتي بين يدي أسماء مسؤولين كُثر، عاجزا- وهو المطلع على مكنونات أحشاء الوطن على بعد 7000 كيلومتر- عن تحديد المسؤوليات وترتيب المهام بما يتماشى والتراتبية الإدارية.

تارة ينسب العثرات كلها للسيد عبد اللطيف حموشي باعتباره المسؤول الأول عن أمن المغاربة والمغرب، وطورا ينتزع منه الصفة المهنية ويُلصقها بشخص مسؤولين تابعين له تراتيبا، وأحيانا أخرى يتزلف إلى مسؤولي الدرك الملكي سائلا إياهم منافسة المؤسسة الأمنية “استخباراتيا”. ولعمري هذا ضرب من “الخبث” يُراهن صاحبه على شيطنة المؤسسات والبحث بشكل “ناعم” عن ما يجعله “ينبعث من الرماد”، حسبما تشدق بالقول، فيما يشبه سيرورة حياة طائر “العنقاء” الذي يحرق نفسه بنفسه.

وصفوة القول، هشام جيراندو “البليد” خلق لنفسه متاهة “بوليسية” وراح يتخبط بين أمواجها العاتية عله يجد مخرجا “منطقيا” منها، خصوصا إذا ما اعتبرنا ضيق الأفق أمامه، بعدما تخلى عنه “شيخ الجبل” علي المرابط الذي أوعز له ﺑ “طلع تاكل لكرموس نزل شكون قالها ليك”. وها هي الآن “أشرعة” سفن الخونة تنقطع في عُرض المحيط وتدب في نفوس راكبيها حاجة ملحة لتقديم بعضهم البعض كقرابين لينفذوا بجلدهم “مؤقتا”، في انتظار اكتراء “ألسنة” جديدة لإتمام المسيرة بنفس انهزامي “مضطر أخاك لا بطل”.

وحتى نرحم “المفجوع” من انتصاراتنا الأمنية، لن نحتاج تذكيره بانطلاق فعاليات الدورة السادسة من تظاهرة الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، غدا السبت بمدينة الجديدة. صفعة ذكرى التأسيس ال69 قد كفت ووفت !!!

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة