مصطفى عزيز يكشف تفاصيل مؤامرة دولية استهدفته ويتّهم مهدي حجاوي وهشام جيراندو
تحليل | واشنطن ولندن تضعان البوليساريو تحت مجهر التصنيف الإرهابي ولحظة الحسم تقترب
توشك “البوليساريو” على دخول مرحلة غير مسبوقة من التوصيف القانوني والسياسي، بعدما بدأت قوى غربية كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تعيد تقييم طبيعة الحركة المسلحة من زاوية أمنية خالصة، في ضوء ما تكشف من ارتباطات وثيقة تربطها بالحرس الثوري الإيراني، وشبكات تهريب وجماعات متطرفة تنشط في الساحل والصحراء.
قانون أميركي حاسم يُعيد ترتيب الحقائق
في خطوة لافتة بتاريخ 24 يونيو 2025، قدّم النائبان الأميركيان جو ويلسون (جمهوري) وجيمي بانيتا (ديموقراطي) مشروع قانون أمام الكونغرس الأميركي يطالب الإدارة بإدراج “البوليساريو” على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية. المشروع، المعروف برمز H.R. 4119، ينصّ على فرض عقوبات على كل من يموّل أو يزوّد الحركة بالسلاح، ويستند إلى تقارير استخباراتية ترجّح وجود دعم مباشر من إيران، “عبر حزب الله وواجهات أخرى”، وفق تعبير النائب ويلسون.
ورغم أن مشروع القانون ما يزال في بدايات مساره التشريعي، إلا أنه يحظى بدعم حزبي واسع، ويأتي في سياق أميركي أوسع يراجع منظومة التصنيفات الإرهابية، بعد إدراج كارتل “سينالوا” المكسيكي في فبراير 2025، وتوسيع قائمة الكيانات المرتبطة بإيران.
بريطانيا تدخل على الخط لتصنيف “البوليساريو” ضمن المنظمات الإرهابية
التحوّل لا يقتصر على واشنطن. ففي لندن، تزايدت الدعوات داخل البرلمان البريطاني لتصنيف “البوليساريو” ضمن المنظمات الإرهابية، خاصة بعد تقارير أمنية تشير إلى علاقات عسكرية واستخباراتية تربط الحركة بالحرس الثوري الإيراني.
وزير الدفاع البريطاني الأسبق، ليام فوكس، اعتبر في مداخلة برلمانية أن “البوليساريو لم تعد مجرّد حركة انفصالية، بل ذراع إيرانية تُهدد أمن شمال إفريقيا وأوروبا”. كما نقلت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية عن مصادر برلمانية أن وزارة الداخلية تدرس بجدّية مذكّرة رفعتها لجنتا الشؤون الخارجية والأمن القومي، تقارن نشاط الجبهة بمعايير قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، تمهيدا لاحتمال عرض الملف للتصويت.
وتأتي هذه التحركات بالتوازي مع مراجعة لندن لموقفها السياسي من النزاع، حيث أعلنت وزارة الخارجية البريطانية في يونيو 2025 دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، باعتبارها “الأكثر واقعية ومصداقية” لحل النزاع.
أدلّة ميدانية تفضح الدعم الإيراني
التحول في المواقف الغربية تغذّيه معطيات ميدانية متزايدة. ففي 27 يونيو 2025، تعرّضت مدينة السمارة المغربية لهجوم صاروخي تبنّته جبهة “البوليساريو”. التحقيقات الأولية كشفت استعمال صواريخ “آرش” إيرانية الصنع، ما أكد وجود دعم عسكري مباشر. وقد ردّت القوات المسلحة الملكية بسرعة، عبر ضربة دقيقة بمسيّرة استهدفت المركبة المسؤولة عن الهجوم وقضت على العناصر المتورطة شرق الجدار الأمني.
وليست هذه الواقعة معزولة. تقارير استخبارات غربية سبق أن أشارت إلى تدريب عناصر الجبهة في معسكرات تابعة لحزب الله بلبنان، ضمن برنامج تأهيل تشرف عليه وحدة “فيلق القدس” التابعة للحرس الثوري الإيراني منذ سنة 2021.
من نزاع إقليمي إلى تهديد أمني دولي
السياق الإقليمي لا يقل تعقيدا. ففي الوقت الذي تنسحب فيه فرنسا من بعض مواقعها في الساحل، وتتعثر جهود مكافحة الإرهاب، تتجه إيران إلى ملء الفراغ عبر وكلاء محليين مسلّحين، مستغلة هشاشة الحدود وتضارب الأولويات الدولية.
ويبدو أن “البوليساريو”، بفضل تغطية جزائرية، باتت جزءا من هذه الخارطة غير التقليدية للحرب بالوكالة، حيث يتم استخدام قضايا انفصالية كمنصات تهديد وتخريب.
من جهته، كان المغرب سبّاقا إلى التنبيه لهذا الخطر. ففي 2018، قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران بعد التحقق من دعمها العسكري المباشر للجبهة عبر “حزب الله”. آنذاك، قوبلت الخطوة المغربية ببرود غربي، لكن التطورات الحالية أعادت الاعتبار لمخاوف الرباط.
التصنيف الإرهابي وتداعياته
إذا ما قررت كل من بريطانيا أو الولايات المتحدة المضي قدما في تصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية، فإن النتائج المترتبة عن ذلك ستكون أعمق بكثير من مجرد قرار رمزي. أولى هذه التداعيات ستكون في المجال المالي، حيث سيؤدي التصنيف إلى تجميد أصول الجبهة وأذرعها المحتملة في الخارج، كما سيحظر أي تعامل مالي أو مصرفي مع كياناتها، أو مع الجهات المشتبه في تمويلها.
كذلك، سيخلق القرار أرضية قانونية لملاحقة المتورطين في تقديم الدعم للجبهة، سواء تعلق الأمر بدول أو جمعيات أو أفراد، وهو ما يفتح الباب أمام سَنّ عقوبات جديدة تطال حتى بعض النشطاء الذين يتحركون باسم “التضامن مع الصحراء الغربية” في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فإن التصنيف سيشكل ضغطا مباشرا على الجزائر وإيران، بوصفهما الداعمين الرئيسيين للحركة، وسيدفع الدول المترددة إلى إعادة تقييم علاقاتها بالجبهة. وفي حال تراكمت المبادرات الغربية في هذا الاتجاه، فإن “البوليساريو” ستفقد غطاءها السياسي، وتُدرج رسميا ضمن خارطة التهديدات الإرهابية.
إلى جانب ذلك، فإن مثل هذا التصنيف سيساهم في ترسيخ مكانة المغرب كشريك أمني محوري في المنطقة، وكمثال على دولة منخرطة في مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي، خصوصا في مواجهة التمدد الإيراني بشمال إفريقيا.
ما كان يُنظر إليه سابقا كـ “نزاع حدودي جامد”، بدأ يتحوّل تدريجيا إلى ملف أمني دولي بالغ الحساسية. وإذا تكرّست المواقف الغربية الجديدة، فإن “البوليساريو” ستفقد أحد أهمّ أوراقها: شرعية الحركة التحرّرية، لتدخل رسميا في خانة التنظيمات الإرهابية المرتبطة بمحور التهديد الإيراني.
في المحصلة، يبدو أن معادلة الصحراء على وشك أن تُعاد صياغتها من منظور مختلف تماما، لا يقوم على الجغرافيا والشرعية التاريخية فقط، بل على الأمن القومي ومكافحة الإرهاب.