برقية ترامب.. رسالة سياسية تؤكد مغربية الصحراء وتفضح الإفلاس الجزائري

البرقية التي بعث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش لم تكن مجرد تهنئة بروتوكولية، بل جاءت محملة برسائل سياسية عميقة تؤكد من جديد أن مغربية الصحراء ليست موضع نقاش في الأجندة الاستراتيجية لواشنطن، على الأقل في رؤيتها الواقعية للأمن الإقليمي.
فحين يجدد رئيس أمريكي، بمستوى دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على صحرائه ويصف مبادرة الحكم الذاتي بأنها “الأساس الوحيد” لأي تسوية دائمة، فإنه لا يعيد فقط التذكير بقرار تاريخي اتخذ سنة 2020، بل يعمق عزلة الطرح الانفصالي الذي تروج له الجزائر في المحافل الدولية.
منذ إعلان الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، سعت الجزائر بكل الوسائل الممكنة إلى التشويش على هذا التحول الجوهري، بدءا من محاولات الضغط على إدارة بايدن السابقة للتراجع عنه، مرورا بتحريك أذرعها الإعلامية والحقوقية المرتزقة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وصولا إلى استغلال المنابر الإفريقية في محاولات بائسة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.
غير أن الزمن الدبلوماسي لا يرحم من يتخلف عن واقعيته، والبرقية الأخيرة لترامب جاءت لتقلب الطاولة مجددا على هذا المسعى العبثي، ولتكشف أن مراكز القرار في واشنطن، سواء في زمن ترامب أو ما قبله، تدرك أن أي حل خارج السيادة المغربية لن يكون سوى وصفة لإطالة أمد الصراع وليس حله.
الجزائر، التي لطالما قدمت نفسها كطرف “غير معني بالنزاع”، تجد نفسها مرة أخرى في وضع دفاعي محرج. فالمبادرة المغربية تحظى بدعم واسع النطاق، ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن من غالبية الدول الإفريقية والعربية واللاتينية وحتى الأوروبية، بينما لم يعد مشروع “الانفصال” يحظى سوى بتأييد أنظمة مأزومة أو متواطئة سياسيا. أما الخطاب الجزائري، فصار يعيد نفسه في حلقة مفرغة من المصطلحات المهترئة، ك “تقرير المصير”، “الشعب الصحراوي”، “الشرعية الدولية”. وكلها شعارات فقدت بريقها أمام واقع ميداني ودبلوماسي تغيرت معالمه بالكامل.
إن قراءة البرقية في سياقها الإقليمي والدولي تبرز أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء لم يكن ورقة انتخابية، كما ادعى خصوم المغرب، بل كان خطوة مدروسة ضمن رؤية أمريكية أوسع لتعزيز الاستقرار في شمال إفريقيا والمنطقة الساحلية. فالولايات المتحدة، سواء في عهد ترامب، تراهن على المغرب كشريك استراتيجي موثوق في قضايا مكافحة الإرهاب، وتنمية التجارة، وتحقيق التوازن في ظل تصاعد النفوذ الروسي والصيني. ومن هذا المنظور، فإن دعم مقترح الحكم الذاتي ليس فقط دعما للمغرب، بل استثمار في الاستقرار الإقليمي.
من جهة أخرى، تؤكد البرقية أن الرصيد الدبلوماسي المغربي لم يكن قائما على ظرف سياسي أو على مجاملة ظرفية، بل على منطق التراكم، وعلى قوة المبادرة المغربية في مواجهة أطروحة ساكنة ومتكلسة. وهنا تكمن الهزيمة الحقيقية للجزائر، فالمغرب لا يفاوض من موقع الضعف، ولا يعرض مشروعا مفروضا على أحد، بل يقدم حلا واقعيا ومرنا ومفتوحا على التفاوض، بينما تكتفي الجزائر بمناورة العرقلة والتشويش والتصعيد، دون أن تملك بديلا مقبولا أو خارطة طريق واضحة.
إن برقية ترامب، في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن فصلها عن سياق تصاعد الدعم الدولي للموقف المغربي، كما أنها تأتي لتذكر من يحتاج إلى التذكير أن ملف الصحراء خرج فعليا من منطق التفاوض العبثي، وأن مسار الحكم الذاتي هو ما يفرض نفسه، ليس فقط باعتباره مقترحا مغربيا، بل لأنه بات يحظى بشرعية دولية متنامية لا يمكن القفز عليها.
برقية ترامب اليوم، ليست فقط دعما للمغرب، بل صفعة جديدة للمشروع الانفصالي، وتأبين رمزي للخطاب الجزائري الذي فشل في مواكبة التحولات، ورفض الاعتراف بالحقائق الجديدة التي يفرضها منطق الجغرافيا، وشرعية التاريخ، وقوة الحلفاء.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة