“جبروت”.. بروباغندا هجينة ضد أمن المغرب ووعي شعبه السيادي

منذ أشهر، والمغرب يواجه إحدى أعنف الحملات التي تستهدف صميم مؤسساته السيادية، وعلى رأسها أجهزته الاستخباراتية المسؤولة عن حماية الأمن القومي.

مجموعة القرصنة المزعومة التي تطلق على نفسها اسم “جبروت” تحولت إلى واجهة مكشوفة لحرب هجينة متعددة الأبعاد، لا تستهدف فقط قواعد بيانات أو وثائق إدارية، بل تسعى بالأساس إلى ضرب الثقة في المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) والمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED)، وهما ركيزتان في معادلة الاستقرار الوطني.

هذا الاستهداف المباشر يعكس انتقال الحملة إلى مرحلة متقدمة، حيث لم يعد الأمر يتعلق بفضائح مفتعلة أو تسريبات جزئية، بل بمخطط أوسع يطعن في المؤسسات التي تمثل خط الدفاع الأول عن الوطن.

حرب ضد الوعي

المعركة الحقيقية لا تُخاض فقط في ميدان الهجمات السيبرانية، بل في ساحة الوعي الجماعي. الحملة الممنهجة تحاول إعادة تكييف وعي المغاربة عبر بث روايات بديلة تسوّق لفكرة “صراع الأجنحة” داخل الأجهزة الأمنية، وكأن “جبروت” ليست أداة خارجية، بل صناعة مغربية داخلية تستعمل لتصفية الحسابات. هذا الخطاب الذي يتبناه بعض المرتزقة الإعلاميين وأبواق الدعاية المعروفة، يندرج ضمن ما يمكن وصفه بـ”حرب على الوعي”، حيث يتم مزج القليل من المعطيات المشكوك أصلا في صحتها بالكثير من الأكاذيب، لتقديم “منتوج معلوماتي” قابل للاستهلاك الشعبي، هدفه إضعاف الثقة بين المواطن ومؤسساته السيادية.

مسار تصعيدي مدروس

من يتأمل خط سير “جبروت” يدرك أن العملية ليست عشوائية، بل تتبع نسقا تصعيديا واضحا: بداية باستهداف مؤسسات اجتماعية مثل CNSS، ثم الانتقال إلى شخصيات عامة ومسؤولين، وبعدها التشكيك في القضاء، وصولا إلى الأجهزة الأمنية التي تُعتبر رمزا للنجاعة في الداخل والخارج. التوقيت ليس بريئا، إذ غالبا ما تأتي موجات التسريب مباشرة بعد نجاح أمني أو دبلوماسي تحققه المملكة، ما يؤكد أن الغاية هي التشويش وإرباك المسار الإصلاحي والمؤسساتي للمغرب.

بصمات الدعاية الجزائرية

الاحتفاء العلني في الإعلام الجزائري بهذه العمليات، واصطفاف أسماء مثل علي المرابط، إغناسيو سمبريرو، دنيا فيلالي، هشام جيراندو، وسليمان الريسوني لترويج الرواية البديلة، يكشف أن “جبروت” ليست سوى أداة في ترسانة دعاية أكبر يقودها النظام الجزائري. الروايات المتناقضة التي انتقلت من اتهام الـDGST بالتورط في التسريبات، إلى اتهام أطرها بالفساد والخيانة، تكشف أن الهدف ليس كشف الحقيقة، بل إنتاج الفوضى وزرع الشك. إنها صناعة محتوى موجهة، تُدار من خارج الحدود وتُسوّق عبر أدوات معروفة فقدت مصداقيتها.

الدعاية بغطاء سيبراني

في الجوهر، “جبروت” ليست مجموعة قراصنة بالمعنى التقني، بل كيان دعائي يستخدم غطاء القرصنة لإضفاء هالة زائفة من المصداقية. الأدوات المستعملة لا تتعدى جمع معلومات من مصادر مفتوحة، وفبركة سياقاتها، ثم تسويقها على أنها “وثائق سرية مسرّبة”. هذه التقنية ليست جديدة، فقد استُعملت في ملف “بيغاسوس” حيث تبين لاحقا أن الاتهامات لم تكن سوى بناء وهمي لخدمة أهداف سياسية خارجية.

مناعة الدولة والمجتمع

رغم كثافة هذه الحرب الهجينة، فإنها تصطدم بواقع مختلف: مؤسسات أمنية مغربية تتمتع بثقة عليا من الدولة وبتقدير دولي لشراكاتها ونجاعتها، ورأي عام بات أكثر وعيا بأساليب التضليل. إن حماية سمعة المغرب وأمنه لم تعد مهمة الأجهزة فقط، بل أصبحت مسؤولية جماعية، حيث يشكل وعي المواطنين خط الدفاع الأول ضد محاولات التلاعب بالعقول وتكييف الوعي.

في النهاية، تبقى “جبروت” مجرد مسرحية سيبرانية إعلامية، لا تغير من واقع أن المغرب يقف على أرضية صلبة، بمؤسساته الراسخة ووحدته الوطنية المتينة.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة