غوتيريش يحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية والصحية في مخيمات اللاجئين بتندوف
عهد محمد السادس.. ملكية قوية ودولة واثقة من مسارها
تناغم مؤسسات السيادة تحت قيادة ملكية واضحة وحازمة
على امتداد ستةٍ وعشرين عاما من عهد الملك محمد السادس، لا تُقرأ تجربة المغرب من خلال تقارير سطحية أو مخدومة، بل عبر حصيلة متراكمة تؤشّر على دولة اشتغلت بمنطق البناء الهادئ واستدامة القرار.
في قلب هذه الصورة يبرز استقرارٌ مؤسسي نادر في المنطقة، قوامه وضوح مركز القيادة وتناسق عمل المؤسسات السيادية، العسكرية والاستخباراتية والأمنية التي ظلّت، دون ضجيج أو صدامات داخلية، تُنفذ السياسات العمومية في أمن الدولة وحماية السلم الاجتماعي.
هذا التماسك، تحت قيادة ملكية موحدة، لا يُلغيه خطابٌ بروباغندي يروج لسردية “صرع الأجنحة”؛ فقد نسف الملك نفسه هذه الرواية منذ خطاب عيد العرش 2017 مؤكدًا أنّ “لا وجود لتيارات”، وأن الدولة يحكمها توجه واحد ووحيد هو تطبيق القانون واحترام المؤسسات وضمان أمن المواطنين وصيانة ممتلكاتهم، نافيا ادعاءات “المقاربة الأمنية” التي تتخيّل بلدا “فوق بركان” وكأن “كل بيت له شرطي يراقبه”. بذلك تُعاد الأمور إلى نصابها: منظومةٌ تعمل بنص الدستور وتحت قيادة واحدة، ورجال أمنٍ وجيشٍ وإسنادٍ مدني يؤدّون واجبهم لحماية الاستقرار لا لمصادرة السياسة.
قضية الصحراء المغربية.. من إدارة أزمة إلى ثورة دبلوماسية يقودها الملك
في الملفّ الوطني الأول، قاد الملك محمد السادس تحوّلا دبلوماسيا عميقا نقل قضية الصحراء المغربية إلى وقائع سياسية مُعلنة مثبتة. فابتداءً من 2022 حسمت إسبانيا عمليا باعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” للحل، قبل أن تُتمّم فرنسا الانعطافة في 30 يوليوز 2024 بالقول صراحة إن حاضر ومستقبل المغرب يندرجان ضمن السيادة المغربية وأن الحكم الذاتي “هو السبيل الوحيد” لتسوية النزاع.
وفي 1 يونيو 2025 انضمّت المملكة المتحدة إلى هذا المسار مؤيدةً مبادرة الحكم الذاتي بوصفها الإطار الأكثر قابلية للتطبيق. هذا الثلاثي (مدريد–باريس–لندن)، ومعه واشنطن التي أكّدت في 8 أبريل 2025 أنّ مفاوضات التسوية يجب أن تُبنى “حصراً” على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، شكّل كتلة قرارٍ وازنةٍ تُقفل باب الضبابية وتدفع الحلّ الواقعي إلى صدارة المرجعيات الدولية. ويجدر التذكير بأن أول اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء صدر يوم 10 دجنبر 2020 ونُشر في السجل الفيدرالي، ثم جُدِّد بموقفٍ متقدّم في 8 أبريل 2025 يعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الأساس الوحيد للمسار التفاوضي.
يتقاطع هذا التقدّم مع لغة الأمم المتحدة نفسها، التي تُجدّد سنويا ولاية “مينورسو” وتُشدّد في القرار 2756 (31 أكتوبر 2024) على ضرورة حلّ “واقعي وعملي ودائم” ومتوافق عليه، وهي صياغة تلاقت مع الزخم الدولي المؤيد للحكم الذاتي. وعلى الأرض، ترجم هذا التحوّل بفتح عشرات القنصليات العامة في العيون والداخلة، ما يمنح الاعترافات طابعا مؤسسيا ملموسا ويعكس قناعة متزايدة باستقرار الأقاليم الجنوبية ضمن سيادة المغرب. هكذا انتقل الملف من إدارة أزمةٍ مفتوحة إلى تراكم مكاسبٍ قانونية ودبلوماسية، جوهرها أنّ مبادرة الحكم الذاتي لم تعد “مجرد خيار” بين خيارات، بل القاعدة الواقعية والشرعية الوحيدة التي يلتفّ حولها الحلفاء الكبار ومسار الأمم المتحدة.
إصلاحات مؤسسية واجتماعية تُعيد صياغة علاقة الدولة بالمجتمع
على صعيد مسار الإصلاحات، فقد اتخذ العهد منذ بدايته قرارات مُهيكلة غيّرت وجه المنظومة القانونية والمؤسساتية. أطلقت “هيئة الإنصاف والمصالحة” تجربة عدالة انتقالية رائدة عربيا وإقليميا بتفويضٍ ملكي، وقدّمت تقريرا نهائيا بتوصيات لتعويض الضحايا وجبر الضرر. وتزامن ذلك مع مراجعة مدوّنة الأسرة سنة 2004 بما وسّع حقوق النساء والأطفال، قبل أن يأتي دستور 2011 ليرسّخ ثنائية الشرعية الدينية والدستورية للملكية ويُحدّد دورها التحكيمي ويعترف بالأمازيغية لغةً رسمية إلى جانب العربية. هذه محطات موثقة في نصوص قانونية وتقارير مؤسساتية منشورة، وتشكّل الخلفية الدستورية والسياسية لأي قراءة منصفة لحصيلة العهد.
في الحماية الاجتماعية، تحوّل الإعلان الملكي في خطاب العرش (2020) إلى قانون-إطار 09-21 سنة 2021 وخارطة تنفيذ تدريجية تروم تعميم التأمين الإجباري عن المرض ثم التعويضات العائلية، فالتقاعد وتعويض فقدان الشغل. الأرقام الرسمية تُظهر توسيعا غير مسبوق لقاعدة المستفيدين (أكثر من 24,7 مليون منذ الإطلاق)، واعتماد “السجل الاجتماعي المُوحّد” كآلية للاستهداف، مع رصدٍ تمويلي سنوي بلغ 51 مليار درهم لهذا الورش. هذه المعطيات تُخرج النقاش من العموميات إلى قياسات يمكن تتبّعها في الزمن.
اقتصاد تنافسي وبنية تحتية تُغيّر قواعد اللعبة
وتحت البنية الاجتماعية تمتد بنية تحتية تُغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية: تدشين أول قطار فائق السرعة في إفريقيا “البُراق” سنة 2018 بين طنجة والدار البيضاء، وارتقاء ميناء طنجة المتوسّط إلى نادي أكبر موانئ الحاويات في المتوسط مع 8,6 ملايين حاوية سنة 2023، إلى جانب صناعة سيارات تصديرية ارتكزت على مصنع رونو طنجة ومنصة “ستيلانتيس” بالقنيطرة التي أعلنت توسيع الطاقة الإنتاجية إلى 535 ألف سيارة سنويًا مع تركيزٍ متزايد على المركبات الكهربائية الصغيرة. هذه مؤشرات تنافسية قابلة للتحقق في بلاغات مؤسسات النقل والموانئ وتقارير شركات السيارات الدولية.
وفي الطاقات المتجددة، يبرز مجمّع “نور ورزازات” كأكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة عالميا ضمن رؤية تستهدف 52% من القدرة الكهربائية المركبة من مصادر متجددة بحلول 2030، مع مشاريع مُعلنة في 2024–2025 وتوسيعٍ موازٍ للبنية الغازية لضمان أمان الإمدادات خلال الانتقال الطاقي. هذا المزج بين الاستثمارات الخضراء والتحكم في المخاطر يثبت حضورًا تخطيطيًا بعيد المدى.
ويتجاوز أثر هذه التحولات حدود الداخل إلى سمعةٍ دولية مُجزية؛ إذ صادقت الفيفا (دجنبر/ديسمبر 2024) على تنظيم المغرب بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال لنهائيات كأس العالم 2030، وهو اختبار ثقة في قدرات لوجستية ومؤسسية تراكمت عبر عقدين من التهيئة والاستثمار. مثل هذا الاختيار لا يمرّ بلا مبررات مادية ومؤسسية ملموسة.
شرعية الملكية.. من إمارة المؤمنين إلى ضامن استمرارية الدولة
هنا تتبدّى وظيفة الملكية في المغرب كما نصّ عليها الدستور: مرجعية دينية (إمارة المؤمنين) تُحصّن تدبير الشأن الديني، وموقعٌ دستوري يجعل الملك رئيس الدولة ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحَكَم الأسمى بين المؤسسات. هذه المكانة، المُؤسَّسة نصا وممارسة، هي التي سمحت بإدارة الإصلاحات تدريجيا دون زعزعة قواعد الدولة، وربطت شرعية النظام السياسي بشرعية الإنجاز وتماسك المجتمع، بعيدا عن مَجاز “النهايات” الذي لا تسنده الوقائع.
حصيلة ستةٍ وعشرين عاما تُظهر دولة استطاعت الجمع بين استقرارٍ مؤسسي واضح وورش إصلاحاتٍ متدرّج واقتصاد يتقدّم ببُنى تحتية وصناعات مصدّرة وطاقة نظيفة، ضمن قيادة ملكية تُوفِّق بين الشرعية الدينية والدستورية وتؤدي دور التحكيم وضمان الاستمرار. في هذا السياق، يتبين ويتأكد أن السرديات التي تتحدث عن “أجواء نهاية حكم” ليست فقط بروباغندا رخيصة وإنما أضغاث أحلام مجموعة من الحاقدين والخصوم الفاشلين، فيما النصّ على الأرض مكتوب بلغة الأرقام والسياسات العمومية المُعلنة والمتابعة زمنيا.