• ماي 3, 2025

قراءة متأنية في العفو الملكي الصادر في حق بعض الصحفيين والنشطاء بمناسبة عيد العرش المجيد

سيحاول العادي أن يكون متميزا بينما تجد المتميز لا يحاول أن يكون إلا عاديا، أمرد ذلك الفراسة والهدوء التي حبا الله بها البعض مقابل الصعلكة والخِفة المتحكمتان في البعض الآخر؟؟ المهم “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” صدق الله العظيم.

الصورة المجازية أعلاه تنطلق من كونها تجسيد حي لواقع الأشخاص لتصبح تمثلا دقيقا لواقع الدول والأنظمة في وقت الشدة والرخاء. دول تُذْعِنُ للصرخات المفتعلة وتقدم القرابين تلو الأخرى لإرضاء المزاج الأجنبي، بينما أخرى تقف سدا منيعا أمام أي محاولات خبيثة لثنيها عن المضي قدما في مسارها. بل إن أنظمة قائمة بذاتها تبلع طعم “حقوق الإنسان” وتنسلخ عن هويتها، ضاربة بقوانينها عرض الحائط علها تكسب نقاط إضافية في سلالم التنمية “المنظماتية”، فيما تجد أخرى تحاوط سورها الحقوقي بقوانين داخلية صارمة تقطع بها الطريق أمام “البراني” التواق لأن تصير فكرة “ادخلوها بصباطكم” واقعا مدرجا ضمن خانة كرم الضيافة.

إنه الانعتاق الحقوقي يا سادة، الذي بلغته المملكة المغربية بعد جهد مضني وسنوات من البِنَاءْ الَبَنَّاءْ، لم تسعفها فيه غير قناعتها الراسخة بأن لا أحد، أكانوا أفراد من أبناء الوطن نفسه أو منظمات أو حتى أنظمة يحق لها أن تمارس الأستاذية على المغرب المستقل سياسيا واقتصاديا وحقوقيا.

جلالة الملك محمد السادس وهو يصدر عفوه السامي على كل من توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني وسعيدة العلمي وغيرهم الكثير، بمناسبة حلول الذكرى الـ 25 على تربعه على عرش أسلافه الميامين، فإن سموه يؤكد أن الديمقراطية خيار ومسار ونهج آمن يُنظر من خلاله لكافة أبناء الوطن بنظارة المساواة والشفافية. لا أفضلية لمغربي على آخر، ولا اعتبار يُقام للمكانة الاجتماعية أو حتى المهنية لأي كان، متى ما أذنب واستوجبت استقلالية القضاء ووضوح النصوص القانونية معاقبته.

الأسماء المنعم عليها بالعفو الملكي ممن ينتمون إلى الجسم الصحافي وكذلك بعض النشطاء، لم يشكلوا، ومنذ انطلاق عداد عقوبتهم الحبسية استثناء باعتبارهم أشخاص فاعلين مهنيا داخل المجتمع. بل على العكس من ذلك، كل الطروحات التي كانت تدفع في اتجاه تقديسهم مقابل التهجم على المقررات القضائية الوطنية، على اعتباره تكتيك يٌراد منه إحراج المغرب أمام المنتظم الدولي كي يطلق سراحهم دون قيد أو شرط قد ذهبت أدراج الرياح، وقضى الأظناء ما تيسر من الأحكام الصادرة في حقهم في ملفات قضائية متباينة، مَثَلُهُمْ في ذلك مثل باقي مساجين المغرب من كافة شرائح المجتمع.  لم يكن ممكنا أن يتلقوا معاملة تفضيلية دونا عن غيرهم من السجناء ولا أن يستجاب لحملات التشويش أو الاستفزاز التي كانت تخضع لها المؤسسات السجنية حيث يقضون محكوميتهم.

وخلفا لما يروجه “الطوابرية” ممن زفوا المعفى عنهم إلى غاية بوابة السجن أول مرة، قد غاب عنهم أو غَيَّبُوا عُنوة عن تحليلاتهم الخبيثة، أن العفو الملكي يٌقيم الحجة على المستفيدين منه، لأن مغزاه يكمن في إجراء طالبه لمراجعة فكرية ذاتية تحرره من معتقداته وتعينه على نفسه وتعين المجتمع عليه، وهو العائد من ماضي ارتكب خلاله جرائم تندرج ضمن نطاق قضايا الحق العام. أي أن المعفى عنهم خلفوا ورائهم ضحايا لا تسقط حقوقهم إطلاقا باستفادة المفرج عنهم من آلية الصفح والسماحة الملكية السامية، وهذا جوهر العملية النبيلة الصادرة عن السدة العالية بالله، النظر للمذنب بعين الرحمة وصون حقوق ضحيته.

وفي المحصلة، المغرب أعطى ويعطي اليوم الدروس في ماهية حقوق الإنسان ومنطلق التعاطي بتروي وحكمة مع كل ما يروج ضده أو ما يحاك له في الخفاء، بتواطؤ عصاة الوطن مع رعاتهم خارج أرض الوطن. أعز الله المغرب ملكا وشعبا ولا عزاء للناقمين المُحْرَجين حاليا من سلاطة ألسنتهم التي أخرستها تباشير الذكرى الـ 25 لعيد العرش المجيد.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة