زعيم سياسي أم ناشط فايسبوكي؟ بنكيران يسب مواطنين ويتطاول على الدولة!
الدوحة.. دموع على فلسطين و خنجر في ظهر المغرب
ما عادت الحيل تنطلي على من لا يحسن قراءة التاريخ، فأبناء هذا الزمن، وقد خبروا الوجوه المتعددة والأصوات المهندسة، ما عادوا يقعون في فخّ الأقنعة المزخرفة بشعارات المقاومة والكرامة. فكل من يرفع راية فلسطين اليوم، لا يعدّ بالضرورة من أهلها، ولا كل من صرخ باسمها، صادق النوايا. وها نحن أمام قطر، لا كدولة تحتفل ببريق مونديالها، بل ككائن سياسي يتقن فنون التلون، يملك من الإعلام ما يجمّل، ومن العلاقات ما يخفى ، ومن الطموح ما يشبه الخديعة.
وإذا أردنا أن نفهم وجه هذا الكيان، يكفينا أن نحدّق في مرآته الإعلامية الأولى: قناة “الجزيرة”. تلك التي شقت طريقها ذات زمن كشعار للحرية، لكنها سرعان ما كشفت عن وجه آخر، وجه يتزيّن بشعارات الإنسانية وهو يروّج لمن يذبحها. قناة احتضنت رموز الاحتلال الصهيوني، وفتحت منابرها لهم بلا خجل، في وقت كانت تبكي على ضحايا العدوان.
تناقض يثير الغثيان، حين تتلقى مكاتبها في تل أبيب رسائل شكر من نتنياهو، بينما تتظاهر بخطاب الممانعة في حضرة أشلاء الفلسطنيين المبعثرة، فأيّ توازن هذا الذي يشيد به الاحتلال؟ وأي حياد ذاك الذي يُسقِط الحقيقة في فخّ “الرأي والرأي الآخر” ليصير القاتل مساوياً للضحية؟
لكن لعبة “الجزيرة” لم تقف عند حدّ التطبيع المبطّن، بل امتدت لتصير أداة تأجيج حينا، ومحرّضا حينا آخر، في كل رقعة عربية اشتعلت فيها نار. من سوريا إلى ليبيا، من اليمن إلى السودان، كانت يد الدوحة حاضرة بالتمويل، بالتحريض، وبنقل الصورة كما تشتهيها غرف القرار في تل أبيب. خلف عباءة الحرية، تؤسس خطاب ديني مسموم، يزرع الفتنة ويقسم الشعوب، يروّج للإخوان حينا، ويدغدغ مشاعر البسطاء بشعارات لا تصمد أمام أول اختبار للواقع.
وها نحن اليوم نراها تحوّل بوصلتها إلى المغرب. لا لشيء سوى أنه بلد يراكم إنجازاته بخطى واثقة، يبني موقعه الإقليمي كجسر بين القارات، وكقوة صاعدة في إفريقيا والمتوسط. فما الذي يجعل المنصات القطرية تحرّض فجأة ضد موانئه ومؤسساته الاستراتيجية؟ بأي منطق يطلب من الشعب المغربي أن يعطّل شرايين اقتصاده، في وقت تتخبط فيه الأسواق العالمية وتتحكم فيه مصالح القوى الكبرى؟ هل باتت فلسطين ستارا يستعمل فقط حين تصفية الحسابات مع الأنظمة التي لا تركع، أم أن الأمر أبعد من التضامن وأقرب إلى الخطة المبيتة؟
وحين تتزامن هذه الحملة مع تعطل مشروع الأنبوب المغربي-النيجيري، ومع إطلاق خط بحري مباشر بين الجزائر وقطر، تبدأ خيوط اللعبة في الظهور. استثمارات بالمليارات في الجزائر، على مرمى حجر من توتر سياسي مع المغرب، تطرح ألف سؤال وسؤال. فهل نحن أمام تقاطع اقتصادي بريء؟ أمام خريطة سياسية ترسم بعناية، تغذّي الانقسام وتحاصر النمو؟ الأمر لم يعد مجرد إعلام يغرّد، بل هندسة خفية لموازين القوى في المنطقة.
فويل لأمة تخدع باسم الحق، ويستغفل أبناؤها باسم حرية التعبير، و هنا نقول أنه ما كان ليكتمل المشهد دون أولئك الذين ينصّبون أنفسهم مناضلين من فوق شاشات الجزيرة، وهم في الحقيقة ليسوا سوى خدّام أجندات تتقاطع فيها مصالح قطر وتركيا وإيران، وتمرر تحت يافطات التحرير والمقاومة. فتجدهم يتصدّورن مشهد المزايدة، في وقت تعجّ فيه مواقع التواصل بشهادات وفضائح تظهر مدى الارتباط المالي والإعلامي لهؤلاء بما يسمّى المحور القطري-الإيراني.
لم تعد الأمور خافية، فقد بات الناس خارج المغرب يرون الصورة أوضح من بعض أبناء الداخل مجموعة من اليساريين والإسلاميين، يبيعون خطابا مشروخا، يتغذى على المال المسموم، ويصفّق لإضعاف المغرب، ويؤلّف مرافعات الحقد من داخل دوائر يهيمن عليها الغاز والدين المؤدلج. باعوا أنفسهم لأجندة لا تمت لفلسطين إلا بالشعار، ولا تُبقي للوطن إلا الخيبة.
الغريب في المشهد أن شعب قطر لا يرى في الشارع. لا يحتج هناك على القواعد الأجنبية، ولا يطالب بوقف الدعم لحركات راديكالية تدمّر أكثر مما تبني. في حين يدفع بعض المغاربة إلى الغضب الأعمى، إلى إسقاط مؤسساتهم، إلى الشك في منجزاتهم، كأنما يراد لنا أن نغضب في الاتجاه الخطأ. أليس هذا تلاعبا ممنهجا بالعقول؟ أليس هذا غضبا مدارا عن بعد، تضبط تردّداته في استوديوهات بعيدة، حيث يقرّر من يغضب ومتى ولماذا؟
إننا لا نرفض التضامن مع فلسطين، بل نرفض أن يتّخذ هذا التضامن مطيّة لتخريب أوطاننا، وتصفية الحسابات مع دول شقت طريقها بعرق جبينها لا بأموال الغاز. نرفض أن نكون أدوات تستخدم باسم الدين والقضية، بينما الحقيقة تغتال في وضح النهار، وتباع الأوطان بثمن البث المباشر.
و ما يثير العجب بل الإستغراب المرير هو هذا الصمت المطبق من قبل الصحافة المغربية، أين الرد أين التحليل و التوضيح، كيف تمر هذه الحملات المنظمة من الإعلام القطري دون ان تجد في المغرب أقلاما ترد الصاع صاعين؟ إننا لا نطلب شعارات، بل مواقف فحين تستهدف بلادك، لا يكفي أن تضمت بدعوى النبل فالنبل في هذا المقام هو قول الحق و السكوت عنه خيانة ناعمة.
نعم آن الأوان للصحافة الوطنية أن تعي ان المعركة ليست فقط ضد الأخبارالمضللة، بل ضد التواطؤ بالصمت أيضا.
و فالأخير، يا قطر عيوننا مفتوحة، و العقل المغربي يقظ و ليس كل ساكت خاضع، و نعلم جيدا أنه ليس كل ناطق صادق.