خطاب التطرف ينتهي بهشام جيراندو إلى حكم قضائي بـ 15 سنة سجنا في قضية إرهاب
في تطور قضائي حاسم، أسدلت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط الستار على قضية اليوتيوبر المقيم في كندا، هشام جيراندو، حيث صدر حكم غيابي في حقه يقضي بالسجن النافذ لمدة 15 سنة، بعد إدانته بتهم ثقيلة تتعلق بـ”تكوين اتفاق إرهابي لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والتهديد والعنف، والتحريض وإقناع الغير بارتكاب أعمال إرهابية”.
هذه القضية تعود إلى ماي 2023 عندما تقدم القاضي والوكيل العام السابق نجيم بنسامي بشكايتين ضد هشام جيراندو. الأولى أمام القضاء المغربي بتهمة التحريض والتهديد بالقتل ضمن مشروع إرهابي، والثانية أمام القضاء الكندي تتعلق بجبر الضرر الناتج عن التحريض والتهديد بالإعدام خارج نطاق القانون. هذه الشكايات استندت إلى مقاطع فيديو وتسجيلات نشرها جيراندو عبر حساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تضمنت دعوات صريحة للقتل والتمثيل بالجثث.
ما زاد من تعقيد وضع هشام جيراندو القانوني هو تصريحاته التحريضية التي استهدفت القاضي نجيم بنسامي بشكل مباشر، حيث وثقت المحكمة مقاطع فيديو يدعو فيها علانية إلى “إعدام نجيم بنسامي، ثم إحيائه، ثم إعدامه مرة أخرى”، في مشهد يعكس تحريضًا واضحًا على القتل. والأخطر من ذلك، قيامه بنشر صور شخصية للقاضي وعائلته، بهدف تسهيل استهدافهم من قبل جهات ذات خلفية إرهابية.
القضاء المغربي اعتبر أن ما أقدم عليه جيراندو يدخل في إطار “جريمة تكوين اتفاق إرهابي”، حيث تم توظيف خطاب تحريضي يدعو علانية إلى “إعدام القاضي وإحياءه ثم إعدامه مجددًا”، وهو ما يشكل عنصرًا ماديًا ومعنويًا كافيًا لتكييف الواقعة على أنها تحريض على ارتكاب أعمال إرهابية.
ما زاد من خطورة الوضع هو استخدام جيراندو للأنظمة المعلوماتية لبث هذه التهديدات في سياق حديثه عن الهجمات الإرهابية وتكتيكات العنف الفردي، حيث استغل تأثيره على بعض الفئات المتشددة لتحريضهم على تنفيذ مخططات إرهابية تستهدف القاضي نجيم بنسامي. هذه الأساليب جعلت المحكمة تخلص إلى وجود علاقة سببية مباشرة بين تصريحات جيراندو والتهديدات الإرهابية التي تعرض لها القاضي.
وما يثير الانتباه أن جيراندو لم يكتف فقط بالتحريض على القتل، بل عمد إلى نشر معطيات خاصة بالقاضي على منصات عامة، مما يعتبر دعوة صريحة للتعرض لأسرته والاعتداء عليها. وقد أكدت المحكمة أن هذه السلوكيات الإرهابية تشكل خطرا على سلامة الأشخاص، وتدخل في نطاق “جهاد الكلمة واللسان” الذي تروج له التنظيمات الإرهابية، مثل “داعش”، والتي تعتمد على الدعاية المكثفة لتوسيع رقعة العنف والتطرف.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه هشام جيراندو هاربًا خارج التراب الوطني، تحديدًا في كندا، أصدرت المحكمة حكمها الغيابي، ما يطرح تساؤلات حول مدى التعاون بين القضاء المغربي والكندي لتسليمه. وتأتي هذه الإدانة في وقت كانت فيه محكمة كندية قد ألزمت جيراندو سابقًا بحذف مقاطع فيديو مسيئة، وهو ما قد يعزز إمكانية صدور حكم قضائي مماثل لصالح القاضي نجيم بنسامي هناك.
وبينما يعتبر جيراندو نفسه “ناشطًا” في الفضاء الرقمي، أظهرت التحقيقات أن منشوراته التحريضية وضعت حياة أفراد في خطر حقيقي. القضاء المغربي من خلال هذا الحكم أراد توجيه رسالة واضحة مفادها أن استغلال المنصات الرقمية للدعوة إلى الإرهاب سيواجه بأقصى العقوبات، خاصة عندما يتعلق الأمر بتهديد حياة القضاة ورجال الدولة.
المثير للانتباه أن الحكم جاء في سياق متوتر بين خطابات التطرف الرقمي ومحاولات أجهزة الأمن تعزيز اليقظة ضد التحريض الإلكتروني. وبينما يواصل هشام جيراندو الهروب، تظل هذه القضية نموذجًا لما يمكن أن يؤدي إليه خطاب الكراهية من تداعيات قانونية صارمة، تؤكد أن العدالة المغربية لن تتسامح مع أي محاولات للمساس بأمن الأفراد أو المؤسسات عبر الإنترنت.
ملف هشام جيراندو يثير تساؤلات عدة حول دور الدول في محاسبة مواطنيها على جرائم التحريض الرقمي، خصوصًا في حالات يكون فيها الجاني مقيمًا خارج البلاد. ويبقى على السلطات الكندية أن تأخذ بعين الاعتبار خطورة هذه التصرفات، حتى وإن صدرت من خارج الحدود المغربية، بالنظر إلى طبيعتها الإرهابية التي تهدد أمن الأفراد والمجتمع.