المغرب يحتل المرتبة 85 عالميا في مؤشر السلام العالمي لعام 2025
كاريكاتير || كندا وأزمة إفلات المجرمين من العقاب.. هشام جيراندو ليس استثناء بل حالة عامة
في قلب الديمقراطيات الغربية، تفتخر كندا دوما بكونها حاضنة للحريات وملاذا للحقوق. غير أن هذه الصورة الوردية تصطدم بواقع مختلف، تتكشف ملامحه شيئا فشيئا مع كل قضية تهز الرأي العام.
واحدة من أبرز هذه القضايا اليوم هي الإرهابي الهارب من العدالة، هشام جيراندو، المتابع قضائيا في الداخل والخارج بملفات تتعلق بالإرهاب والتحريض والتشهير، والذي يواصل نشاطه الإلكتروني المحرّض على العنف والكراهية من داخل التراب الكندي دون أن تطاله يد القانون.
لكن المثير للقلق ليس فقط أن هذا الشخص يفلت من العقاب رغم خطورة محتواه، بل أن قضيته لم تعد مجرد شأن يخص المغرب أو أي بلد آخر يُستهدف من منشوراته، بل باتت مرآة تعكس عجزا هيكليا في النظام القضائي والأمني الكندي. فكيف لدولة تعتبر نفسها منارة للعدالة أن تُغضّ الطرف عن هذا النمط من السلوك الإجرامي؟
الجواب قد لا يكمن في شخصية جيراندو نفسه، بل في المناخ العام الذي سمح له بالتحرك بحرية. فالمتتبع للمشهد الداخلي بكندا يدرك أن هناك تآكلا مستمرا في مبدأ الردع، حيث تُواجه الجريمة المنظمة، وجرائم الكراهية، وحتى الاعتداءات الجنسية، بتساهل قضائي يثير الذهول. قرارات مشروطة، عقوبات رمزية، وتغليب غريب لفكرة “الفرصة الثانية” حتى مع أخطر الجناة. هذه ليست استثناءات، بل نمط متكرر يُنذر بانحدار خطير نحو الإفلات المؤسسي من العقاب.
في هذا السياق، لا يبدو هشام جيراندو سوى واحد من مئات، بل الآلاف استغلوا ضعف المنظومة القانونية والسياسية في البلاد لممارسة أفعال تتجاوز حرية التعبير بمراحل، نحو التهديد والتشهير والتحريض على العنف. بل الأخطر من ذلك أن جنسيته الكندية باتت تُستعمل كدرع للاحتماء، في ظل مناخ يسمح بتقويض قيم الدولة نفسها باسم تلك القيم.
ومن داخل كندا نفسها، تزداد الأصوات القلقة من هذا الانفلات. تقارير أمنية، وتحقيقات صحفية، وشهادات لخبراء وقضاة، كلها تشير إلى ظواهر متنامية: تغلغل الجريمة المنظمة، اختراق المؤسسات، والتواطؤ غير المعلن مع شبكات تغسل الأموال وتُغذي العنف السيبراني. بل إن بعض القضايا البارزة كشفت عن اختراقات خطيرة حتى داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ما يدفع للتساؤل: من يحمي من في هذا البلد؟
إن تساهل كندا في قضايا من هذا النوع لا يمس فقط صورتها الخارجية، بل يهدد أمنها الداخلي واستقرارها الاجتماعي. فحين يُترك مجرم موصوف يهدد جهارا ويسبّ ويحرّض، دون متابعة أو مساءلة، فإن الرسالة تصل واضحة: القانون لا يُطبّق إلا على الضعفاء، أما من يتقن اللعب على ثغرات النظام فيمكنه أن يعبث كما يشاء.
إن استمرار صمت السلطات أمام ما يُنشر يوميا من محتويات تحمل بذور التحريض والابتزاز والتشهير، يعني ببساطة التخلي عن مسؤولياتها الأساسية في صون النظام العام ومنع الانزلاق نحو فوضى خطيرة.
فهل ما يحدث هو عجز مؤسساتي؟ أم تساهل ممنهج؟ أم أن هناك ما هو أعمق من ذلك، يتعلق ببنية النظام القضائي والسياسي في كندا، وما إذا كان فعلا قادرا على حماية نفسه من الانتهازيين والمتطرفين الذين يتخفّون تحت غطاء الحريات؟
الجواب لن يُقدّمه الزمن وحده، بل إرادة حقيقية في إعادة الاعتبار لمفهوم العدالة، قبل أن يصبح الإفلات من العقاب هو القاعدة، والمساءلة مجرد استثناء نادر.