38,2 مليون حساب بنكي بالمغرب.. أرقام ضخمة تخفي هشاشة اقتصادية

بلغ عدد الحسابات البنكية المفتوحة في المغرب إلى غاية نهاية دجنبر 2024 ما مجموعه 38,2 مليون حساب، بحسب المعطيات الرسمية الصادرة عن بنك المغرب.

 رقم يثير الكثير من التساؤلات، ليس فقط لأنه يقترب من عدد سكان المملكة بأكملها، بل لأنه يتجاوز بكثير عدد السكان النشيطين، الذي يتراوح بين 11 و12 مليون شخص، ما يعني أن المواطن المغربي النشيط يمتلك في المتوسط ثلاثة حسابات بنكية.

هذا الارتفاع المسجل بنسبة 5,2% مقارنة بسنة 2023 يأتي في وقت تراجعت فيه وتيرة فتح الحسابات الجديدة، التي بلغت 3,1 ملايين حساب خلال 2024، أي بانخفاض قدره 6,1% على أساس سنوي. ورغم هذا التراجع، فإن الظاهرة تواصل تمددها بشكل لافت، بما يشير إلى أن عدد الحسابات لا يعكس بالضرورة توسعاً حقيقياً في الشمول المالي، بقدر ما يعكس نوعاً من التكرار والاستخدام المتعدد من طرف نفس الأفراد.

وتظهر البيانات أن الحسابات الجارية ما زالت تشكل الجزء الأكبر من هذه القاعدة البنكية بـ24,3 مليون حساب، تليها حسابات الادخار على الدفتر بـ11,3 مليون، ثم الحسابات التجارية بـ1,8 مليون، إضافة إلى ما يقارب 124 ألف حساب بالعملات الأجنبية، معظمها مقوم باليورو بنسبة تفوق 76%، ما يكشف عن ارتباط وثيق بالسوق الأوروبية، سواء على مستوى التحويلات أو على مستوى الأنشطة المالية.

المفارقة الكبرى أن عدد حاملي الحسابات البنكية الفعليين لا يتجاوز 19,1 مليون شخص، أي أن نصف الحسابات تقريباً تتركز في يد أفراد يملكون أكثر من حساب، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الحسابات واستخدامها الفعلي، ويُظهر في الآن ذاته خللاً بنيوياً في توزيع الخدمات المالية. ففي بلدٍ لا تزال فيه نسبة مهمة من المواطنين تعاني من ضعف القدرة الشرائية، يبدو أن الأرقام البنكية تحكي قصة أخرى، غير مرتبطة بالواقع الاقتصادي المعيشي.

الفئات العمرية المستفيدة من هذه الخدمات تُظهر بدورها تباينات واضحة، إذ تهيمن الفئة التي تتجاوز 60 سنة بـ4,3 ملايين حساب، تليها فئة 35 إلى 45 سنة بـ3,8 ملايين، بينما لا تمثل فئة الشباب دون 25 سنة سوى 1,8 مليون حساب. توزيع يكشف عن محدودية ولوج الشباب إلى النظام البنكي، سواء بسبب ضعف الموارد أو غياب ثقافة مالية متجذرة في هذه الفئة.

وسُجل خلال سنة 2024 أن حوالي 883 ألف مغربي فتحوا لأول مرة حساباً بنكياً، لكن دون مؤشرات واضحة على مدى نشاط هذه الحسابات أو دورها الفعلي في تحسين الوضع المالي لأصحابها. ففي بلد تتزايد فيه التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتُطرح فيه أسئلة جوهرية حول القدرة الشرائية والبطالة ونسب النمو، لا يبدو أن ارتفاع عدد الحسابات البنكية يعكس واقع التنمية الاقتصادية كما يفترض.

إن هذا التضخم في الأرقام البنكية، رغم أنه يبدو مؤشراً إيجابياً على الورق، إلا أنه يخفي واقعاً اقتصادياً هشاً، ومفارقة صارخة بين الانتشار الكمي للخدمات المالية وبين محدودية أثرها على تحسين معيش المواطنين. فلا يُقاس التقدم البنكي بعدد الحسابات فقط، بل بمدى مساهمتها في الإدماج الاقتصادي الحقيقي، وفي خلق دينامية مالية عادلة وشاملة.

Ahmed Cheikh

منشورات ذات صلة