العيون.. نسبة تقدم أشغال إعادة بناء سد الساقية الحمراء الكبير بلغت 83 في المائة
سقوط مدوّي لعصابة المهدي حيجاوي ويقظة المخابرات المغربية تحبط مخططا إجراميا عابرا للقارات
قال الله تعالى في كتابه الكريم: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (صدق الله العظيم) — هكذا تنزلت الحقيقة على واحدة من أكثر القضايا تعقيدا وخداعا، لتسقط الأقنعة عن شبكة احتيال بإسم مؤسسات سيادية وشخصيات رفيعة، تقودها عصابة المهدي حيجاوي، بعد أن أغوت الرأي العام بشعارات “النضال” و”محاربة الفساد”، وتستّرت خلف واجهات إعلامية صاخبة ومؤثرين في منابر دولية.
لقد انكشفت القصة في لحظة فارقة، ليس فقط بعد فضحته التسجيلات المسربة لجيراندو وحيجاوي وخرجة مصطفى عزيز، وإنما أيضا لأن بُنيان الكذب بدأ يتهاوى تحت وزن الوقائع والأدلة. الرجل الذي قدّم نفسه في الخارج على أنه “الرجل الثاني في لادجيد”، وزعم امتلاك صِلة مباشرة بالمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، استُدرِج إلى دائرة الضوء من حيث لا يحتسب: من شهادات ضحاياه إلى تحرّكات أجهزة الأمن، مرورا بالتسجيلات المفبركة وجوازات السفر الدبلوماسية المزورة.
وما كان يُسوَّق على أنه مشروع إصلاحي أو “ثورة على الفساد” ظهر في حقيقته شبكة متعدّدة المستويات، توظّف الذكاء الاصطناعي لتزييف الأصوات، والمنصات الرقمية للتضليل، وخطاب الضحية لتبرير الاحتيال. ومع ظهور مصطفى عزيز في 12 يوليوز 2025، انهار البناء الإعلامي، وسقطت معه مزاعم حيجاوي، وانكشف الدور التحريضي لهشام جيراندو في كندا، والتواطؤ الإعلامي لعلي المرابط والحسين المجدوبي وآخرين من إسبانيا.
لم تكن المسألة مجرد احتيال مالي، بل محاولة لاختراق المجال السيادي المغربي من بوابة وهمية، تروّج لفكرة “مجلس وصاية” مزعوم، مدعوم بإيحاءات عن غطاء أمني أجنبي. لكن حين سُلطت الأضواء على المشروع، تبيّن أنه لا يحمل سوى الضجيج والشعارات والنيات المسمومة. لقد سقط الباطل، لا لأنه ضعيف من حيث التقنية، بل لأنه عارٍ من الشرعية، وساقط من أساسه.
وإذا كانت الشهادة قد فجّرت القضية للرأي العام، فإنّ من أسّس لانكشاف الحقيقة في عمقها هي المخابرات المغربية وعلى رأسها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)، بقيادة عبد اللطيف حموشي، التي اشتغلت بصمتٍ وفعالية لرصد خيوط هذه الشبكة، وتتبع تحركاتها، وضبط آلياتها الدعائية والتمويلية، وتوثيق كل العناصر التقنية والقانونية الكفيلة بإجهاض المشروع في مهده. فقبل أن ينكشف الصوت المزيّف في يد مصطفى عزيز، كانت أجهزة الأمن المغربية قد وضعت النظام كله تحت المجهر، ورصدت بدقّة تحركات مهدي حيجاوي بين أوروبا وآسيا، وامتداداته في كندا، واتصالاته بمصادر مشبوهة في الخليج.
لم تكن هذه اليقظة الأمنية عملا فرديا، بل ثمرة تنسيق متكامل بين مختلف أجهزة الاستخبارات الوطنية، التي انخرطت في عملية رصد دقيقة ومتعددة الأبعاد، بين التقني والمالي وأشياء أخرى، ما أتاح بناء ملف متماسك أسقط عن الشبكة أقنعتها الخارجية وأدواتها الرقمية.
في المقابل، لعبت بعض المنابر الإعلامية الوطنية دورا محوريا في التصدي للرواية التضليلية التي روّج لها شركاء العصابة، من خلال تحقيقات جادة ومتابعة دقيقة ونشر معطيات مدققة أربكت الحسابات الإعلامية التي كانت تحاول منح القضية غطاء سياسيا أو حقوقيا. وقد برزت أصوات مهنية التزمت بسقف القانون ودافعت عن المؤسسات بسيادة الحجة، مكشّفة بذلك الطابع الإجرامي لهذه الشبكة دون الانجرار إلى منطق الردح أو الشعارات الفارغة.
إن قضية حيجاوي لم تكن فقط اختبارا لأمن الدولة، بل كانت أيضا لحظة فرز بين من يدافع عن مؤسسات الوطن بحرفية وغيرة، وبين من يتخذ من العمل الإعلامي غطاء لتبرير الاختراق الخارجي والتستر على الانتحال السيادي. وقد أثبتت الدولة المغربية، بأجهزتها الأمنية وفاعليها الإعلاميين الوطنيين، أنها تمتلك من الوسائل والكفاءات ما يكفي لحماية الشرعية، وفضح التضليل، وفرض سيادتها في زمن تتقاطع فيه الجريمة بالذكاء الاصطناعي والتمويه الإعلامي العابر للحدود.