السياسة الصينية تجاه الصحراء المغربية.. حياد مدروس ودعم متزايد
في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها مواقف القوى الكبرى من قضية الصحراء المغربية، يبرز تحول تدريجي في موقف الصين من هذا النزاع، حيث انتقلت بكين من موقف الحياد الرسمي إلى دعم ضمني لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
منذ توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين في ماي 2016، شهدت العلاقات الثنائية توسعا كبيرا في مجالات استراتيجية مثل البنية التحتية والطاقة والتعليم والتكنولوجيا، كما عزز انضمام المغرب إلى مبادرة “الحزام والطريق” مكانته كشريك إقليمي مهم لبكين في شمال وغرب إفريقيا.
هذا الزخم الاقتصادي انعكس على الموقف الدبلوماسي الصيني، الذي بات يتجنب الدعم الصريح لجبهة البوليساريو ويتجه إلى خطاب أكثر واقعية يعكس تقارباً مع الطرح المغربي.
رغم تمسك الصين رسميا بمبدأ الحياد وعدم التدخل، تظهر مواقفها داخل مجلس الأمن دعما ضمنيا للمقترح المغربي، حيث تجنبت لغة التصعيد وامتنعت عن الاعتراف بالبوليساريو ككيان مستقل، كما دعت إلى حل سياسي “واقعي ودائم ومقبول من الطرفين”، وهي عبارات تتقاطع مع مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007.
على مدار السنوات الماضية، لم تسجل الصين اعتراضا على هذه المبادرة، بل اعتبرتها مساهمة إيجابية في جهود الحل السياسي، مما يعزز فرضية قبول ضمني للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
يرتبط هذا التحول بعوامل داخلية وخارجية عدة، منها توافق مقاربة المغرب مع الموقف الصيني الرافض لأي حركات انفصالية، وانسجام ذلك مع مواقف الصين الداخلية حول الوحدة الترابية. كما تلعب العلاقات التاريخية بين الصين والجزائر في قطاع الطاقة دوراً في تحفّظ بكين، ما يدفعها إلى الموازنة الدبلوماسية بين الرباط والجزائر.
في المقابل، تصاعدت المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للصين مع المغرب، خاصة مع المشاريع الكبرى مثل مدينة محمد السادس الذكية والميناء الأطلسي بالناظور، إلى جانب التنسيق الدبلوماسي المتزايد بين البلدين. إضافة إلى ذلك، يدفع تراجع العلاقات الصينية مع الغرب بكين إلى تعزيز تحالفاتها مع قوى جنوب-جنوبية صاعدة، وعلى رأسها المغرب الذي يقدم نموذج تعاون مستقر وفعّال، وهو ما يعزز استخدام بكين لمصطلحات مثل “الحل الواقعي” و”التسوية المتوازنة” في ملف الصحراء.
تخلص هذه التطورات إلى أن السياسة الصينية تجاه نزاع الصحراء تتسم بـ”الحياد المدروس”، حيث لم تعلن الصين دعمها الصريح للحكم الذاتي، لكنها تتحرك عمليا في اتجاه قبوله كحل واقعي يتماشى مع رؤيتها للاستقرار الإقليمي والدولي. هذا التحول يفتح آفاقاً جديدة للتقارب المغربي-الصيني في ظل بيئة دولية متعددة الأقطاب تتطلب تموضعاً استراتيجياً جديدا للطرفين.