صوت من خلف الجدران.. بوعلام صنصال يجلد سجّانه
من زوايا الظلام الحالك داخل سجن الحراش، حيث تقمع الأنفاس ويطمس النور، يكتب بوعلام صنصال من وراء القضبان رسالة حارقة إلى شعبه، لا تصدر من رجل مكسور، بل من قلب يزداد صلابة كلما ضاقت عليه الجدران.
كتب صنصال ليقول للجزائريين إن السجن في الجزائر لم يعد مكانا للمجرمين، بل أصبح مؤسسة رسمية لتأديب كل من تسول له نفسه فضح فساد العسكر أو تذكيرهم بأن الشعب هو صاحب الأرض. هنا، كما وصف، تُوزع الأحكام كما توزع أوامر الخدمة العسكرية بلا نقاش، بلا دليل، وبلا ذرة خجل.
“ذنبي الوحيد”، يقول صنصال، “أنني ما زلت أؤمن بأن الكلمات قادرة على إنقاذ هذا الوطن من شياطينه، وأن الجزائر ليست مجرد علم ونشيد، بل شعب يستحق الكرامة والعدالة”. ذنب يكفي في نظر سلطة ترى في الحقيقة خطرا يهدد بقاءها.
هو اليوم في جسد منهك ينهشه المرض، لكن صوته ما زال يجلد الجدران يحذر من الانخداع بواجهة الاحترام التي يتفنن النظام في عرضها أمام الخارج، ويصفه بأنه ليس دولة، بل “آلة لسحق البشر”.
وفي خطابه لفرنسا، “وطنه الثاني”، لم يتوسل، بل ذكرها بصفعة الحقيقة “أنتم الذين ترفعون راية حقوق الإنسان، لا تدفنوها عند شواطئ المتوسط مقابل عقود الغاز والتحالفات المؤقتة”.
أما لشعبه، فقد أرسل وصية مقاوم اصمدوا. الخوف سجن أوسع من سجني. لكن الجدار سيسقط، لأن الدكتاتوريين يسقطون دائما في النهاية.
وختم بوعلام صنصال رسالته بما يشبه التعهد أمام التاريخ “سأواصل الكتابة، حتى وإن خبّأت أوراقي تحت وسادتي. الكتابة هي حريتي الوحيدة، وهي سلاحي الأخير، وبها سنبقى أحياء.