أقلام استخباراتية مأجورة تفشل في النيل من المؤسسات الأمنية المغربية وهذه خبايا السردية المفبركة حول “صراع الأجهزة”
خلال الأسابيع الأخيرة عمدت بعض المنابر الأجنبية، خاصة الأقلام الإسبانية المأجورة المعروفة بقربها من النظام الجزائري، إلى رواية قديمة تُصوِّر المغرب كأنه يعيش صراعا مكتوما بين أجهزته الأمنية.
تدّعي هذه المواد وجود أجنحة متنافسة ونزاعات نفوذ، وتمنح “بطولة” لأسماء هامشية بغرض إقناع القارئ بأن ما يجري هو حرب داخلية. عند اختبار هذه الرواية في الواقع المؤسسي تتبدّى صورة مغايرة تماما، لأن الدولة المغربية تملك منظومة واضحة الاختصاصات، وتنسيق يومي بين مكوّناتها، ونتائج عملياتية ثابتة على الأرض.
المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) تتكفّل بالأمن الداخلي وإنفاذ القانون عبر الشرطة القضائية والأمن العمومي وشرطة الحدود. المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) تضطلع بالاستخبارات الداخلية والوقاية من التهديدات الإرهابية وشبكات التجسس، ويُمثّل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ) ذراعها القضائي العملياتي للتحقيق والتفكيك تحت إشراف النيابة العامة.
أما المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) فهي جهاز الاستخبارات الخارجية المختص بمتابعة المخاطر العابرة للحدود ومسارات الجريمة المنظمة وامتداداتها الإقليمية. هذا التقسيم ليس تفصيلا إداريا؛ إنه هندسة وظيفية تُبنى عليها الشراكات مع أوروبا والغرب والساحل وتُقاس بها فعالية الردع.
في الممارسة اليومية تعمل هذه الأجهزة بمنطق التكامل لا التنافس. تتدفق المعلومات من الميدان إلى التحليل ومن التحليل إلى الإسناد العملياتي؛ تتقاطع المعطيات بين DGSN وDGST عند بوابة الخطر الداخلي، وتُستكمل عند الحاجة بما تجمعه DGED خارج الحدود، بينما يتدخل BCIJ حين يبلغ الملف عتبة الاشتباه القضائي.
هكذا تُدار ملفات الإرهاب وتهريب المخدرات والهجرة غير النظامية وتمويل الشبكات، من رصد أولي إلى توقيفات مُعلَّلة ومحاضر محكمة. لو كانت “حرب الأجهزة” قائمة حقا لانعكس أثرها أولا على هذا النسق، من قبيل تعثر تبادل المعلومات، ارتباك في التحقيقات، وتراجع في المخرجات. ما يحدث على الأرض يُظهر العكس.
تعتمد السردية المتداولة على تجميع ملفات سياسية وقضائية في سلة واحدة ثم إسنادها إلى أشخاص بعينهم لإيهام القارئ بوجود خيط ناظم. تُذكر قضايا مفبركة مثل “ماروك غيت” والتي هي في الأصل “قطر غيت” أو “بيغاسوس” لإضفاء هالة من الاتهام من دون قرائن قضائية تُسمّي مسؤولين بعينهم من داخل DGSN أو DGST أو DGED. هكذا يتحوّل التلميح إلى بديل عن الوثيقة، وتصبح الجملة الخبرية المفبركة أساسا بديلا عن الحقيقة واليقين.
أما الشق المرتبط بالملكية، فيُستثمر بالطريقة نفسها لبناء مناخ توتّر لا وجود له في النص الدستوري. انتقال العرش في المغرب منظَّم بقاعدة واضحة ومعلَنة، وتاريخ المؤسسة في العقود الأخيرة لم يعرف “حروب وراثة” من النوع الذي يجري تسويقه. تحويل مسألة منصوص عليها إلى حقل تأويل صراعي يضيف طبقة من الإثارة، لكنه لا يُنتج معلومة… بالعكس يؤكد وجود صناعة سردية وبروباغندا خبيثة.
في المقابل، يجري تضخيم أسماء بعينها، هي في الأصل متورطة في جرائم عابرة للحدود وهاربة من العدالة، مثل المهدي حيجاوي، وتقديمها بوصفها “مفتاحا” لفهم الدولة العميقة. تُربط هذه الأسماء بملفات خارج نطاق اختصاصها، وتُطمَس المعطيات القانونية التي تتعلّق بجرائمها لصالح حكاية “استهداف سياسي”.
الخلاصة أن ذكر أسماء المؤسسات لا يثبّت سردية الصراع، بل يُسقطها. حين تُسمّى DGSN وDGST وDGED وBCIJ بوظائفها ومجالات عملها تتضح حدود كل جهاز ونقاط التقاء الجميع عند أمن الدولة والمجتمع. ما عدا ذلك يبقى في خانة الفبركة والبروباغندا.